- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الحادي والعشرون

بقلم: نزار حيدر
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ، ولا أَحدَ يغتصِبُ أَحداً لتنفيذِ مُفرداتِ سيرتهِ، ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!.
لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة.
يقُولُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
ما الفرقُ بينهُم وبينَ مَن يصفهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ {رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالإِسْلَامِ لَا يَتَأَثَّمُ ولَا يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّه (ص) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّه مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْه ولَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ}.
فذاكَ مُتصنِّعُ الإِسلامِ وهذا مُتصنِّعُ النَّهجِ العلويِّ!.
فإِلى الذين يدَّعُونَ أَنَّهُم على نهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في السُّلطةِ والحُكمِ، تعالُوا نتابع معكُم جردةَ الحِسابِ هذهِ لنرى أَينَ أَنتُم منها؟! وأَينَ تقِفونَ؟!.
فمن ملامحِ نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) ما يلي؛
*لم يتهالَك الإِمامُ على السُّلطةِ والخِلافةِ أَبداً لأَنَّ السُّلطةَ عندهُ وسيلةٌ وليست هدفاً، فإِذا ساعدَت في تحقيقِ رسالتهِ وإِنجازِ عهُودهِ ووعُودهِ ومكَّنتهُ من أَهدافهِ الرِّساليَّة فبِها وإِلَّا فلا حاجةَ لهُ بها.
ولذلكَ عندما انثالَ عليهِ النَّاسُ يُبايعونهُ للخلافةِ خطبَ فيهِم قبلَ أَن يمُدَّ يدهُ لهُم قائلاً {دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَه وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَه الْقُلُوبُ ولَا تَثْبُتُ عَلَيْه الْعُقُولُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!}.
يقُولُ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسِ؛ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه فَقَالَ لِي؛ مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟! فَقُلْتُ؛ لَا قِيمَةَ لَهَا! فَقَالَ (ع) {واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا}.
فمَن مِن الذينَ يدَّعُون الإِنتماء إِلى نهجِ الإِمامِ (ع) في الحُكمِ التزمَ بهذا الثَّابت فلم يُغيِّر ويبدِّل فقط من أَجلِ أَن يصلَ إِلى السُّلطةِ وعندها [لكُلِّ حادثٍ حديثٍ] كما يقولُونَ؟!.
مَن منكُم لَم تحوِّلهُ السُّلطةُ إِلى نعلٍ ينتعِلهُ الظُّلم والجَور؟!.
*السُّلطةُ أَداةٌ لإِقامةِ الحقِّ والعدلِ، وهي وسيلةٌ لمُكافحةِ الفسادِ المالي والإِداري على حدٍّ سَواء، فما حاجةُ الإِمام (ع) للحُكمِ إِذا عجزَ عن تحقيقِ ذلكَ؟!.
يقُولُ (ع) {أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ومَا أَخَذَ اللَّه عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ!}.
وقد خطبَ (ع) في أَوَّلِ خلافتهِ مُهدِّداً ومُحذِّراً الذين ينتظرُونَ منهُ أَن يغُضَّ النَّظر عن فسادهِم ولصُوصيَّتهِم فيطوي صفحةَ الماضي الفاسِد والفاشِل ليبدأَ عهداً جديداً من النَّزاهةِ الماليَّةِ والإِداريَّة {واللَّه لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِه النِّسَاءُ ومُلِكَ بِه الإِمَاءُ لَرَدَدْتُه فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ومَنْ ضَاقَ عَلَيْه الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْه أَضْيَقُ!}.
لقد خيَّبَ الإِمامُ آمالهُم بإِمكانيَّةِ التَّغاضي عن سرقاتهِم والتَّغافُلِ عن فسادهِم، ففي نهجِ (ع) لا يسقطُ الحقُّ المسرُوق بالتَّقادُمِ إِذ لا بُدَّ مِن إِعادةِ الحقُوقِ إِلى أَصحابِها مهما طالَ الزَّمن!.
وعندما دعاهُ بعضُ الصَّحابة إِلى أَن يميِّزَ في العطاءِ بينَ أَهل السَّابِقة في الدِّين [جماعةُ الخِدمة الجِهاديَّة] وبينَ مَن يرَونهُ مُواطناً من الدَّرجةِ الثَّانيةِ إِعتبرَ ذلكَ ظُلمٌ وفسادٌ وتجاوزٌ على حقِّ الرَّعيَّةِ قائلاً {أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْه! واللَّه لَا أَطُورُ بِه مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّه! أَلَا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّه تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا ويَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ويُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ ويُهِينُهُ عِنْدَ اللَّه، ولَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ولَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّه شُكْرَهُمْ وكَانَ لِغَيْرِه وُدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِه النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وأَلأَمُ خَدِينٍ!}.
فكانَ اليأسُ يدبُّ في نفُوسِ هذهِ النَّماذجِ عندما كانُوا يسمعُونهُ (ع) يقُولُ {واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا}.
وكتبَ لأَحدِ عُمَّالهِ الفاسدينَ مُحذِّراً {كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذِه الأَمْوَالَ وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِه الْبِلَادَ! فَاتَّقِ اللَّه وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّه مِنْكَ لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّه فِيكَ ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ!}.
وعندما طلبَ منهُ أَخوهُ عقيلٌ أَن يُزيدهُ من بيتِ المالِ [قرضاً] فوقَ حقِّهِ أَجابهُ في قصَّةٍ مشهورةٍ يروِيها الإِمامُ (ع) قائلاً {واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ورَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْه سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وأَتَّبِعُ قِيَادَه مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَه حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَه؛ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِه وتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِه! أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟!}.
فمَن مِن هؤُلاء المُدَّعين التزامهُم بنهجِ الإِمامِ أَحمى حديدةً لنفسهِ قبلَ غيرهِ ليُذكِّرَها بالمآلِ؟!.
مَن مِنهُم تعاملَ بالعِفَّةٍ معَ المالِ العامِ المُؤتمَنُ عليهِ؟!.
كفاكُم كذِباً وغُشّاً وتضليلاً وضِحكاً على ذقُونِ العوامِّ!.
أقرأ ايضاً
- قانون هيلمز- بيرتون.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء السابع
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الخامس والعشرون
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الرابع والعشرون