- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء العشرون

بقلم: نزار حيدر
{قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
إِنَّ نهجَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حقائِقٌ ووقائِعٌ ونماذِجٌ وقُدوةٌ وأُسوةٌ، فهوَ ليسَ مِثاليٌّ خارج المألُوف أَبداً، كما أَنَّهُ ليسَ بمُعجزةٍ لا يُمكِنُ تصوُّرَ الإِهتداءَ بهِ، ولو أَردنا أَن نعتبِرهُ كذلكَ للتهرُّبِ من المسؤُوليَّةِ أَو لتبريرِ عدمِ التزامِنا بهِ والسَّيرِ على نهجهِ، فهذا يعني أَنَّنا ننظُرَ إِلى كُلِّ الرُّسُلِ والأَنبياءِ بمثلِ ذلكَ؛ مناهجٌ مثاليَّةٌ وسِيَرٌ خارِقةٌ للعادةِ! وهذا جهلٌ مُركَّبٌ أَو خرقٌ غَيرُ مُبرَّرٍ، وهو الذي يعتمِدهُ تُجَّار الدِّينِ والعقيدةِ!.
حتَّى لُقمانَ (ع) يكُونُ حسبَ هذا الرَّأي منهجٌ مِثاليٌّ! فما فائِدةُ القُرآن الكريم وقصصهِ وأَمثالهِ إِذن؟!.
ما الفرقُ بينَ نهجِ رسُولِ اللهِ (ص) ونهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) الذي يصفُ علاقتهُ بنفسهِ {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} وابنِ عمِّهِ بقَولهِ {وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (ص) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (ص) فَقُلْتُ؛ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟! فَقَالَ؛ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ}.
فإِذا اعتبرنا نهجُ عليٍّ (ع) مثاليٌّ وخارج المألُوف لا يُمكِنُ بل من المستحيلِ الإِلتزامَ بهِ، فكذلكَ سنقُولُ نفسَ الكلامِ عن نهجِ رسُولِ الله (ص) فأَينَ تذهبُونَ؟!.
صحيحٌ لا أَحدَ يقدرُ على الإِلتزامِ بنهجِ الإِمامِ (ع) بحذافيرهِ إِلَّا أَنَّهُ (ع) رسمَ طريقاً ينتهي إِليهِ مَن يسعى لذلكَ قائلاً {أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه، أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ}.
حتَّى هذهِ الخِصال الأَربع لم نلمسَها أَو نراها فيمن يدَّعي التزامهُ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحكُمِ، بل لم نلمِسَ حتَّى خِصلةً واحدةً منها، فلم نرَ منهُم ورعاً في الإِدارةِ ولا اجتهاداً في الإِنجازِ الحقيقي الذي يخدِم عبادَ الله تعالى ولا عِفَّةً في التَّعامُلِ معَ بيتِ المالِ ولا سداداً في قَولٍ أَو فعلٍ، فيما يُفترضُ أَن يكُونوا ممَّن يجتهِدُ في أَن يقدِرَ على ذلكَ كما يقُولُ (ع) {فَوَاللَّه مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا}.
فإِذا كانُوا يتصوَّرُونَ أَنَّ نهجَ الإِمامِ (ع) مثاليٌّ فلماذا يدَّعُونَ الإِنتماءَ إِليهِ؟! لماذا، إِذن، يكذِبون؟!.
السَّببُ واضحٌ فهُم يريدُونَ مصادرَة التَّاريخ لصالحِ أَجنداتهِم الخاصَّة، وبذلكَ يسعَونَ لتضليلِ السذَّجِ من النَّاسِ.
إِنَّهُم يريدُونَ النَّهجَ شِعارٌ للتستُّرِ بهِ ويتجاهلُونهُ دِثاراً لأَنَّهُ يتضارب ومصالِحهُم الخاصَّة!.
وهذهِ هي مُشكلةُ النَّاسِ عادةً فهُم يعرفُونَ الحقَّ بالرِّجالِ ولذلكَ يخطأُونَ المسيرَ ولا يصلُونَ إِلى نتيجةٍ معقُولةِ ومقبُولةٍ ولا يستقيمُونَ على الجَّادَّةِ ولا يتَّبِعُونَ الإِنسان الصَّح في الوقتِ الصَّح!.
فقَد قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَى أَميرَ المُؤمنينَ (ع) فَقَالَ؛ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؟! فَقَالَ (ع)؛ يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ، إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه ولَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه.
فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ (ع)؛ إِنَّ سَعِيداً وعَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ ولَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ}.
هذا هوَ نهجُ الإِمام (ع) لمَن أَرادَ أَن يسيرَ عليهِ من دونِ خداعٍ للذَّاتِ.
أَمَّا الذينَ يحدِّثنا عنهُم القرآن الكريم بقولهِ {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
فهؤُلاء مهما حرَّفوا وغيَّروا وكتبُوا وضللَّوا وزوَّروا وغشُّوا فلن يكتبُوا لنا نهجاً علوَّياً [جديداً] حسبَ مزاجهِم، فالمنهجُ العلويٌّ واضِحٌ وضُوحَ الشَّمسِ في رابعةِ النَّهارِ لا يمكنُ لأَحدٍ أَن يغيِّرهُ ويبدِّلهُ فهوَ عصيٌّ على التَّزييفِ وأَنَّ من يفعَل ذلكَ أَو يُحاوِلُ لا يخدَع إِلَّا نفسهُ ولا يضحَك إِلَّا على ذقنهِ.
إِنَّهم يعتاشُونَ على الكذبِ والتَّزويرِ والتَّدليسِ والدَّجلِ والتقمُّصِ غَير المحمُود، ولقد وصفَ القرآن الكريم حالهُم بقولهِ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
ومن مصاديقهِ سعيهُم للتَّرويجِ لتزويرهِم المفضُوحِ من خلالِ مُسلسلٍ تجاريٍّ لا يمتُّ لحقائقِ التَّاريخي بأَيِّ صلةٍ!.
وبمثلِ هؤُلاء يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) زماننا بقولهِ {والَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً ولَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، واللَّه مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ولَا كَذَبْتُ كِذْبَةً ولَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وهَذَا الْيَوْمِ}.
فهؤُلاء بلاءٌ علينا وفتنةٌ للأُمَّةِ لأَنَّهم مصداقَ قولِ الله تعالى {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
أقرأ ايضاً
- قانون هيلمز- بيرتون.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء السابع
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الخامس والعشرون
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الرابع والعشرون