- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الثالث والعشرون

بقلم: نزار حيدر
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
[٤] إِستراتيجيَّات و [٥] آليَّات تقومُ عليها فلسفة بِناء الدَّولة النَّاجحة وإِدارة الحُكم الصَّالح في نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع).
وهي تتكاملُ مع بعضِها فلا يمكنُ تحقيقَ أَيَّةِ إِستراتيجيَّةٍ منها من دونِ واحدةٍ أَو أَكثر من الآليَّات.
فأَمَّا الإِستراتيجيَّات فقد حدَّدها (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مصر، فكتبَ قائلاً {هَذَا مَا أَمَرَ بِه عَبْدُ اللَّه عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الأَشْتَرَ فِي عَهْدِه إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاه مِصْرَ؛ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وجِهَادَ عَدُوِّهَا واسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وعِمَارَةَ بِلَادِهَا}.
هي إِذن؛ الإِقتصادُ والأَمنُ والإِجتماعُ والبناءُ والإِعمارُ.
وأَمَّا الآليَّات التي تُؤَسَّسُ عليها هذهِ الإِستراتيجيَّات فهيَ كما يلي:
- ما يتعلَّق بعلاقةِ الحاكمِ مع الرعيَّة {وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
فالعلاقةُ الإِيجابيَّةُ بين الحاكمِ والمحكُومِ تُساعِدُ في بناءِ الإِستراتيجيَّاتِ المُستدامةِ، وهي لا تُبنى إِلَّا بمفهُومِ المُواطنةِ أَولاً وكَون الحاكِم موظَّف في موقعِ المسؤُوليَّةِ العامَّةِ واجبهُ الخدمة وليس التسلُّطِ ثانياً.
- ما يتعلَّق بمعيارِ التصدِّي لموقعِ المسؤُوليَّة والصِّفاتِ المطلوبةِ في الموظَّفِ في الخزمةِ العامَّةِ {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ولَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ والْخِيَانَةِ وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ والْحَيَاءِ}.
فالموظَّف [الدَّمج] وعلى أَيِّ مُستوىً من مُستويات الخِدمة، لا يُمكنهُ أَن يُساعدَ في بناءِ الإِستراتيجيَّاتِ المُستدامةِ لأَنَّ [فاقدُ الشَّيء لا يُعطيه] كما في القاعدةِ، ولذلكَ نُلاحظُ أَنَّ نبيَّ الله يوسُف (ع) عندما اقترحَ على الملكِ أَن يجعلهُ على خزائنِ الأَرضِ [وزارة الماليَّة] قدَّم لهُ [CV] حقيقي يُحقِّق المعاييرِ المطلُوبةِ للتصدِّي لهذا الموقع من المسؤُوليَّة {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [النَّزاهة والمعرِفة بالأَمرِ].
- ما يتعلَّق بالرَّقابةِ والمُحاسبةِ والمُساءلةِ {ولَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ ، وأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ}.
فلا إِنجازَ من دُونِ مسؤُوليَّةٍ ولا مسؤُوليَّةَ من دونِ رقابةٍ ومُساءلةٍ، ولا تنفعُ المُساءلةُ إِذا لا يترتَّب عليها ثناءٌ أَو حساب، إِذ ستكُونُ عبثٌ!.
- ما يتعلَّقُ بالإِنجازِ والنَّجاحِ {ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى ولَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِه ولَا تُقَصِّرَنَّ بِه دُونَ غَايَةِ بَلَائِه ولَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِه مَا كَانَ صَغِيراً ولَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِه مَا كَانَ عَظِيماً}.
يجبُ الإِشهار عن هويَّة النَّاجحينَ والتَّرويجِ لإِنجازاتهِم في خدمةِ الدَّولةِ، ففي ذلكَ تحريضٌ على التَّنافُسِ السَّليمِ {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} وقولهُ تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
- ما يتعلَّق بالتَّقييم ومِعيار المُنافسة {قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ}.
فالإِنجازُ السَّليمُ فقط هو معيارُ قيمةِ المسؤُول في الدَّولةِ وليسَ الولاءُ أَو الإِنتماءُ أَو الخلفيَّةُ، فهذهِ لا تُغيِّرُ من الواقعِ شيئاً، ولذلكَ قالَ تعالى {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُوَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌشَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ}.
وسنحاولُ تسليطُ الضَّوء على كُلِّ واحدةٍ من هذهِ الإِستراتيجيَّات والآليَّات ثمَّ نتعرَّف على حقيقةِ ما يفعلهُ المُدَّعونَ التزامهُم بنهجِ الإِمامِ (ع) في الحُكمِ وإِدارة الدَّولة ثُمَّ {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}!.
أَوَّلاً؛ البُعد المالي والإِقتصادي في الدَّولةِ والذي عبَّرَ عنهُ (ع) بعبارةِ {جِبَايَةَ خَرَاجِهَا}.
والخَراجُ يعني [ما يخرجُ مِن غَلَّةِ الأَرض] فالمُصطلحُ عميقٌ جدّاً وشامِلٌ يرسِمُ الملامح الحقيقيَّة لإِقتصادِ الدَّولة وهي كالتَّالي:
١/ إِنَّها دَولة مُنتجة وليسَت ريعيَّة [مُستهلكة] فلَو لم تكُن مُنتجةً لسقطَ فيها مفهُوم [الخَراج].
٢/ مُوازنتُها متعدِّدة المَصادر وليست بمصدرٍ واحدٍ، فلقد خلقَ الله تعالى في الأَرضِ كُلَّ مصادر المَعاش من دونِ حدُودٍ ثمَّ سخَّرها للبشرِ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقولهُ تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُواخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
ثم سخَّرَ كُلَّ ذلكَ لعبادهِ ليعمرُوا بهِ الأَرضَ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗإِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} و {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّفِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
حتَّى البحرَ سَّخرُ تعالى لعبادهِ ومنهُ الثَّروة السَّمكيَّة وما تُنتِجهُ من صناعةٍ وتجارةٍ {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُحِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِوَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
٣/ وهي دولةٌ ذاتَ إِقتصادٍ حقيقيٍّ لأَنَّ الإِشارةَ إِلى غِلَّة الأَرض يعني أَنَّ فيها الزِّراعة والثَّروة الحيوانيَّة {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} والصِّناعة والتِّجارة، ما يُنتجُ فرصَ عملٍ ويُكافح البَطالة والظَّاهرة [الرَّيعيَّة].
٤/ الدَّولةُ مسؤُولةٌ عن إِدارة ثرَوات البلاد وتنميتِها وتنويعِ مصادرِها.
٥/ وهي مسؤُولةٌ عن إِدارةِ ماليَّة الدَّولة [المُوازنة العامَّة] من خلالِ السَّيطرة وحُسنِ إِدارة الضَّرائب والكمارك والتِّجارة، وكذلكَ حِماية المُنتَج الوطني واليد العامِلة الوطنيَّة، وخلق فُرص العمل بكُلِّ أَشكالِها وحمايةِ حقُوقِ العاملِ.
والآن؛ إِذا تساءلنا عن نسبةِ إِنجازِ المدَّعونَ التزامهُم بنهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في إِدارةِ الدَّولةِ لهذهِ الإِستراتيجيَّةِ ولهذهِ الأَهدافِ، فماذا ستكونُ النَّتيجة؟!
*ما هي نسبةُ إِعمارهِم للأَرضِ، الزِّراعة والصِّناعة والثَّروة الحيوانيَّة والسَّمكيَّة والتِّجارة؟!.
*ما هي نسبةُ إِنجازهِم على صعيدِ خلقِ فُرصِ العملِ في ذلكَ؟!.
*هل نجحت الدَّولة في إِدارةِ خَيراتِ البلادِ بما يضمِن تحقيقِ الحياة الكَريمة للمُواطن؟!.
*هل سيطرت الدَّولة على مصادرِ الطَّاقة والكمارك وغيرِ ذلكَ بما يضمِن مُكافحة الفساد والتَّهريب والإِضرار بالمالِ العامِّ وحمايتِها من اللُّصوصِ والفاسدينَ؟!.
*هل نجحت في تنويعِ مصادرِ الدَّخل من خلالِ توظيفِ كُلِّ ما سخَّرهُ الله تعالى لعبادهِ؟!.
*هل نجحت في خلقِ وبناءِ دَولةٍ مُنتجةٍ أَم أَنَّ [دَولتهُم] ريعيَّة [مُستهلِكة] بكُلِّ المعاني والمَعايير؟!.
لا ينبغي للدَّولة أَن تتحدَّث عن العدالةِ الإِجتماعيَّةِ إِذا كانت قد فشلَت في تحمُّلِ أَيٍّ من هذهِ المهامِّ والمسؤُوليَّاتِ.
أقرأ ايضاً
- قانون هيلمز- بيرتون.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء السابع
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الخامس والعشرون
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الرابع والعشرون