
يدير علي تحسين (27 عاما)، متجرا إلكترونيا لبيع العطور عبر موقع إنستغرام منذ 4 سنوات في العاصمة بغداد، لكنه الآن يواجه احتمال الإغلاق إن لم يحصل على إجازة من وزارة التجارة، بعد صدور قرار جديد، يلزم جميع الممارسين للعمل الإلكتروني بالحصول على ترخيص رسمي.
تحسين، كغيره من آلاف الشباب الذين وجدوا في الإنترنت فرصة للهروب من البطالة، يواجه اليوم واقعا مختلفا، إذ بات نشاطه مهددا ما لم يخضع للشروط والإجراءات المفروضة.
وكان مجلس الوزراء، قد أصدر قرارا يقضي بتنظيم التجارة الإلكترونية، يتضمن شروطا ملزمة للحصول على إجازة رسمية لمزاولة النشاط، مانحا وزارة التجارة صلاحيات المتابعة والرقابة وإيقاع العقوبات بحق المخالفين.
عرقلة المشاريع الصغيرة
ويعبّر تحسين، عن قلقه من الخطوات الجديدة بقوله إن “الإجراءات الجديدة ستجعل التجار الإلكترونيين الصغار عرضة للعرقلة في حال كانت الإجراءات معقدة أو تتطلب مراجعات ميدانية”.
ويتساءل، “فيما إذا كانت الوزارة تنوي تسهيل الأمر حقا، أم أن الإجازة ستكون بوابة جديدة للبيروقراطية والرسوم التي قد تعيق نمو الأعمال الصغيرة بدل دعمها”.
وشهدت التجارة الإلكترونية في العراق قفزة نوعية منذ تفشي جائحة كورونا، حيث انتشرت على نطاق واسع في مختلف المحافظات، وأصبحت تشكل نسبة معتبرة من حركة التجارة المحلية والدولية، إذ أسهمت في توفير فرص عمل لعشرات الآلاف من الشباب، لاسيما في مجالات الشحن، والنقل، والتخزين، وافتتاح المكاتب والمخازن المرتبطة بالبيع الإلكتروني.
بدوره، يبين سالم الشمري، وهو مالك لعدة متاجر إلكترونية، أن “القرار ينطلق من فرض القيود على العاملين في التجارة الإلكترونية بدل دعمهم، فبدل أن تبدأ الدولة بتحفيز هذا القطاع وتوفير البيئة الرقمية المناسبة، بدأت بفرض الإجازات والمتطلبات التي قد لا تنسجم مع طبيعة الأعمال الناشئة”.
ويؤكد الشمري، أن “معظم المشاريع الإلكترونية الحالية ما زالت في طور النمو، وتحتاج إلى تسهيلات وليس تعقيدات، لا سيما أن غالبيتها قائمة على جهود فردية أو عائلية صغيرة”، مشيرًا إلى أن “الدولة اختارت البدء بالرقابة بدل التمكين، والاشتراطات بدل التشجيع، ما يضع مستقبل التجارة الإلكترونية أمام احتمال التراجع بدل النمو، رغم أنها من أنجح التجارب في تشغيل الشباب وتنشيط السوق المحلي”.
وتتساءل أوساط اقتصادية ومهتمة بالشأن الرقمي عن آلية تطبيق النظام الجديد في ظل غياب منصة مركزية موحدة تشرف على التجارة الإلكترونية، وعدم وضوح الجهات المسؤولة عن تنفيذ المتطلبات أو متابعة الالتزام، في وقت لا تزال فيه أدوات الدولة الرقمية محدودة.
تحديات
الخبير في الاتصالات، عمار داوود، يؤشر من جهته، إلى “افتقار العراق لبنية تحتية متكاملة تمكنه من تنظيم قطاع التجارة الإلكترونية، ما يجعل النظام الجديد يصطدم بواقع إداري معقد، يتمثل بتداخل الصلاحيات بين عدد من الوزارات والهيئات، وكل منها تدّعي المسؤولية عن جزء من منظومة التجارة الإلكترونية، سواء في ما يتعلق بشركات التوصيل أو تطبيقات الشحن أو ترخيص المنصات الإلكترونية”.
ويضيف داوود، أن “من أبرز التحديات أيضا عدم قدرة الحكومة على فرض سيطرتها على المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، والتي تستخدم بشكل واسع في عمليات البيع والشراء، ما يجعل تنفيذ النظام على هذه المنصات أمرا شبه مستحيل في الوقت الراهن”.
وتشير أرقام الخبراء والمعنيين إلى وجود سوق نشطة للتجارة الإلكترونية في العراق، إذ يقدر حجم هذا القطاع بثلاثة مليارات دولار سنويا، مع تسجيل ما بين 500 إلى 600 ألف طلب يوميا، وفق بيانات صدرت عام 2020.
ويعود هذا الازدهار إلى تطور خدمات الإنترنت وزيادة الاعتماد على الهواتف الذكية، التي باتت متوفرة في كل منزل تقريبا، ما سهل عمليات التسوق الإلكتروني وأتاح للتجار الوصول إلى شرائح واسعة من المستهلكين.
ثغرات إجرائية
من جانبه، يرى الباحث في الشأن القانوني، بلال الزبيدي، أن “نجاح تنظيم التجارة الإلكترونية مرهون بالتطبيق الجاد من قبل الجهات المختصة، والتزام التجار الإلكترونيين بتنفيذ متطلباته، فالتشريعات لا تحقق أهدافها ما لم تترجم إلى واقع عملي يوازن بين دعم الاقتصاد الرقمي وحماية حقوق المستهلكين”.
ويستطرد الزبيدي، أن “النظام لم يحدد بصورة تفصيلية آليات الرقابة أو كيفية تسوية النزاعات الإلكترونية، مما قد يترك ثغرات قانونية وإجرائية تحتاج إلى معالجة دقيقة، لضمان أن يكون هذا النظام أداة فاعلة لتنظيم القطاع، لا مجرد نص يضاف إلى أرشيف القوانين دون تنفيذ فعلي”.
ويلزم النظام الجديد، التاجر الإلكتروني بتوفير مجموعة من البيانات الدقيقة للزبائن قبل إبرام أي عقد، مثل وصف المنتجات، وآلية الدفع، وسياسات الاستبدال والإرجاع، وأقصى مدة للتوصيل، إضافة إلى واجب الرد على الشكاوى خلال فترة زمنية محددة، وهي إجراءات قد تكون مرهقة للباعة الأفراد الذين يفتقرون للكوادر أو الأنظمة المتخصصة.
حماية قانونية
وفي هذا السياق، يؤكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن “قرار تنظيم التجارة الإلكترونية رقم 4 لسنة 2025 يهدف إلى تنظيم التعاملات الرقمية، وضمان حقوق جميع الأطراف، بما في ذلك التجار الإلكترونيين والمستهلكين”.
ويوضح صالح، أن “التسجيل وفقا لهذا النظام يمنح التجار الإلكترونيين حماية قانونية تضمن حقوقهم، كما توفر بيئة آمنة للتجارة الإلكترونية، تتيح للزبائن التعامل بثقة مع منصات البيع الرقمية”، مشيرا إلى أن “التعاملات الإلكترونية ستتم عبر تطبيقات نظام سعر الصرف الرسمي، مما يمنح المتعاملين ميزة التعامل بالسعر المعتمد من قبل السياسة النقدية، وبالتالي تقليل المخاطر المرتبطة بتفاوت أسعار الصرف غير الرسمية”.
ويحق لوزارة التجارة بموجب القرار، إلغاء الإجازة بشكل نهائي في حالات محددة، من بينها فقدان أحد شروط منح الإجازة، أو ممارسة أنشطة احتيالية، أو الترويج لسلع محظورة، أو مخالفة النظام العام والآداب العامة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- العطل في العراق.. خسائر فادحة وشلل للمؤسسات الرسمية
- مطامر نفايات غير قانونية تهدد حياة العراقيين
- أول ضغوط ترامب على إيران تهدد صيف العراق