نهضة الإمام الحسين (ع) وكنه رسالته الالهية المباركة، هي بالتأكيد أوسع مما نستطيع ان نوجزها أو نقدر على تأطيرها، بالقول أو العمل، لأنها باختصار شديد مثَّلت اختزالاً لكل ظلامات التاريخ، وقذارة أهواء الانسان، ناهيك عن محاولة حصرها بتلك الطقوس والشعائر كاللطم، والبكاء وإقامة مراسيم العزاء، وربما التطبير ايضاً وغيره
ونحن نستذكر في اربعينية الامام وقائع ما حدث من فواجع وما أُريق من دم طهور على ثرى كربلاء سما بالإنسان فوق الثريا، مما لا نظير له في تاريخ المسيرة البشرية على الارض (لا يوم كيومك يا ابا عبد الله)
اقول: ونحن نستذكر كل ذلك نتساءل: فما عساها ان تقدمه الى العالم تلك الطقوس والمراسيم
أو الى قضية كبرى كقضية الامام الحسين (ع)؟ مع ايماننا الاكيد بأهميتها الشعورية في تأصيل
حوادث الواقعة في نفوس الشيعة والمحبين من المسلمين ومن غيرهم من احرار العالم، والإمداد على المستوى الداخلي بحرارة الحزن والألم ومرارة الأسى، وتأجيج تأثيرهما عبر الزمن وتعاقب الأجيال، وهي تعكس عمق المظلومية لآل الرسول (ص) وبذات الوقت تفضح قبح منهج مناوئيهم من بني امية وبني العباس الذين غرتهم الدنيا بغرورها فانساقوا بأهوائهم خلف اغوار الشيطان حتى النهاية.
اجل...فإن كل ذلك مطلوب وينبغي ان يكون، كونه الجانب الشعوري في القضية، بيد ان الجانب الفكري لم يأخذ كل مدياته الواسعة في فلسفة قضية التضحية في أبعادها الاجتماعية والأخلاقية والحضارية وغيرها، بمخاطبة عقل العالم لا قلبه، بلغة قريبة من فهمه، غير تلك الطقوس والشعائر، بإبراز ما للقضية الحسينية من ابعاد عالمية عبر توجهها الإنساني الخلاق، وكونية منهجيتها خارج مقاسات المكان والزمان والتأكيد على ان الصراع لم يكُ ابداً صراع فردين أو امتين أو حتى دينين كما يحلو للبعض المبغض أو الجاهل تفسيره وتحجيمه وتهميشه بدس السموم الفكرية في هذا الاتجاه او ذاك، بل انه في حقيقته صراع إنساني مابين فكرين أحدهما يمثل جبهة الباطل منذ قابيل القاتل وامتداداته، والآخر إنما يمثل دفاع الحق وسلامه منذ هابيل القتيل، الذي قال لأخيه حينما همّ بقتله (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ( المائدة).
بل انه صراع مازلنا نحياه، وسنظل كذلك الى قيام الساعة، فما زالت (شمريتهم) تذبح (حسينيتنا) وهي مسؤولية بالضرورة يتحمل وزرها النخبة الواعية من قادة دين وسياسة وفكر وثقافة، فالجانب الشعوري يدفع باتجاه التأصيل نحو العمق، اما الفكري فينبغي ان يعمل على الدفع الى الامام والجوانب بذات الوقت نحو العالمية.
فقضية الإمام الحسين (ع) وفاجعة كربلاء الاليمة في واقعة الطف الخالدة، انما مثلت وتمثل قيمة كونية عليا تمتلك الجميع ولا ولن يستطيع احد إدعاء امتلاكها، لأنها من قبل ان تكون مسألة وجود واستمرار على هذي الارض معني بها المسلم وغيره على حدٍ سواء؛ فهي مسألة عدم وخلود، فالحسين اذن فكرة الله المجردة، خرجت حرّة من اسر الزمان والمكان لكنها مازالت مستوحشة بيننا على الارض.
أقرأ ايضاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الشماتة بحزب الله أقسى من العدوان الصهيوني