- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العقوبات البديلة في اطار الجرائم الاقتصادية

بقلم: د. زيـنب عبد الكاظم
في ظل تطور الأنظمة القانونية وزيادة تعقيد الجرائم الاقتصادية وتعدد صورها ومظاهرها ، برزت الحاجة إلى تبني عقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية، تهدف العقوبات البديلة إلى تحقيق الردع والإصلاح دون اللجوء إلى سلب الحرية كون الاخيرة قد لا تكون دائمًا الوسيلة الأكثر فعالية لمكافحة الجرائم الاقتصادية تطبيقا لفكرة (الجزاء من جنس الفعل).
ويقصد بالعقوبات البديلة (( الحكم بعقوبة غير سالبة للحرية بدلا من عقوبة سالبة للحرية في حال توافر ظروف معينة تستدعي ذلك وبقرار يصدر بناءً على تقدير القاضي المختص لوقائع الدعوى)).وهذا يعني ان العقوبة البديلة تأخذ مكان العقوبة السالبة للحرية بحيث تقررها السلطة القضائية المختصة وفقاً لسلطتها التقديرية.
وتتعدد صور ومظاهر العقوبات البديلة فمنها:
• الجزاءات المالية :وهي من العقوبات البديلة التي تستهدف الذمة المالية للمحكوم عليه كعقوبة الغرامة التي تنسجم مع مقدار الضرر الذي لحق الجهة المتضررة.
• المراقبة الالكترونية القضائية : وهي من العقوبات البديلة التي تستهدف حرية المحكوم عليه عبر تضييق نطاقها بدلا من سلبها نهائيا مثل اخضاع المحكوم عليه لتدبير مراقبة السلوك مع منحه جزء من حرية الحركة كأخضاعه لنظام المراقبة الالكترونية.
• الحرمان المؤقت من ممارسة الانشطة الاقتصادية و التجارية:كأيقاف التراخيص الممنوحة له لفترة مؤقتة كضمانة لعدم تكرار الافعال الجرمية وهو ما يعرف بتدبير وقف الشخص المعنوي او حله.
• العقوبات البديلة التي تستهدف الانتفاع من خدمات المحكوم عبر التزامه بالعمل لصالح المجتمع في بعض القطاعات.
اما عن مبررات تبني العقوبات البديلة في الجرائم الاقتصادية:
• تخفيف ازدحام السجون: تساعد العقوبات البديلة في تقليل عدد النزلاء داخل المؤسسات العقابية، مما يخفف الضغط على الدولة من حيث التكاليف التشغيلية للسجون.
• تحقيق العدالة التصالحية: بدلاً من معاقبة الجاني فقط، تركز العقوبات البديلة على تعويض الضحايا وإصلاح الضرر الناجم عن الجريمة الاقتصادية.
• تعزيز موارد الدولة الاقتصادية: بدلاً من تعطيل النشاط الاقتصادي للمحكومين من خلال سلب الحرية عبر وضعه في المؤسسة الاصلاحية(السجون) والتزام الدولة بالانفاق عليه، يمكن استخدام عقوبات بديلة كفرض غرامات كبيرة او الزام الجاني بأجراء تسوية مع الجهة المتضررة عبر اعادة المبالغ محل الجريمة بضعف او ضعفين كما ورد ذلك في اطار قانون ضريبة الدخل العراقي الذي اجاز لوزارة المالية قبول طلب التسوية الصلحية من المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية في جرائم التهرب الضريبي عبر الزامهم بأعادة ضعفي مبلغ الضريبة الواجبة الدفع عليهم مع الفوائد التأخيرية خلال عشرة ايام من تاريخ قبول طلب التسوية ،أو منع مزاولة النشاط لفترة محددة لضمان عدم تكرار المخالفة دون التأثير السلبي على الاقتصاد العام.
محاذير تبني فكرة العقوبات البديلة في اطار الجرائم الاقتصادية:
على الرغم من فوائد العقوبات البديلة، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيقها، منها:
• عدم تحقيقها للردع الكافي: قد لا تشكل بعض العقوبات البديلة رادعًا كافيًا للجرائم الاقتصادية الكبرى كجرائم غسل الموال والفساد الاداري والمالي مما سيؤدي الى ردود فعل مجتمعية تجاه تطبيقها.
• صعوبة التطبيق والمراقبة: قد تتطلب العقوبات البديلة كنظام المراقبة الالكترونية آليات تقنية وموارد بشرية كبيرة لغرض متابعة دقيقة لضمان تنفيذها بفعالية قد لا تكون متاحة على ارض الواقع.
• عدم ملائمة بعض العقوبات البديلة لطبيعة بعض الجرائم مما يفتح باب العود لارتكاب الجريمة مرة اخرى اذا ما تم الاخذ بها، الامر الذي يجعلها غير متناسبة مع خطورة تلك الجرائم على المصالح محل الحماية، مما يقتضي الحكم بالعقوبات السالبة للحرية بحقهم.
ونرى اخيراً ان العقوبات البديلة تشكل اليوم وسيلة حديثة وفعالة للتعامل مع الجرائم الاقتصادية، حيث تحقق التوازن بين الردع والإصلاح من جهة وتحافظ على مصلحة الدولة المالية او الفئة المتضررة عبر اعادة المبالغ محل الجريمة الى خزينة الدولة من جهة اخرى. ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد على وجود ضوابط تشريعية واضحة، وآليات رقابية صارمة، وتدابير احترازية حازمة، تضمن تنفيذها بشكل عادل وفعّال تمنع من العود الى ارتكاب الجريمة مرة اخرى.
أقرأ ايضاً
- المهندسون وحجر الزاوية في السياسات الاقتصادية والتنموية العراقية
- تحليل علمي عن مستقبل الاقتصاد والتطورات الاقتصادية في سورية في ظل الأحداث الأخيرة
- النتيجة المحتملة واحتمال النتيجة في قانون العقوبات