- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التحرش الافتراضي.. جريمة في عالم رقمي جديد

د. حسين المولى
مع التطور الهائل في العالم الافتراضي، أصبحنا نعيش تجارب رقمية تحاكي الواقع، ونتطلع إلى استكشاف إمكانياته المتعددة، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وانتشار تطبيقات الواقع الافتراضي، بات من المتوقع ظهور ظواهر جديدة، بعضها ملهم وإيجابي، وبعضها الآخر يحمل تهديدات اجتماعية وأخلاقية.
في ظل هذا التحول الرقمي، ومع انتشار مفهوم "الميتافيرس"، أصبحنا أمام مسرح جديد للجرائم الرقمية، مما يستدعي وضع تنظيم قانوني واضح لهذا العالم المستحدث، بحيث لا يُترك تحت قاعدة "كل ما لم يجرمه نص فهو مباح"، فمن الضروري وضع تشريعات تواكب هذه التطورات، خصوصًا فيما يتعلق بالجرائم التي قد تحدث داخل هذا الفضاء الافتراضي.
التحرش الإلكتروني هو التهديد أو الإساءة باستخدام التقنيات الرقمية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الرسائل، ويهدف إلى تخويف أو ابتزاز الضحية، أما التحرش الافتراضي، فهو مصطلح حديث يشير إلى استغلال منصات الواقع الافتراضي للتواصل مع الآخرين بصورة غير لائقة، سواء من خلال تعابير لفظية غير محترمة، أو سلوكيات ذات طابع جنسي، أو التهديد والإساءة داخل البيئات الرقمية.
هذا النوع من الجرائم بات يمثل تهديدًا متزايدًا، خاصة عند استهداف الفئات الضعيفة مثل الأطفال والمراهقين، حيث يوفر العالم الافتراضي بيئة مثالية للمتحرشين بسبب سهولة إخفاء الهوية وانتحال الشخصيات عبر الصور الرمزية (avatars).
مع أن العديد من الدول بدأت بتجريم التحرش الإلكتروني، إلا أن التحرش الافتراضي لا يزال يواجه فراغًا تشريعيًا، خاصة في ظل عدم وجود قوانين واضحة تتعامل مع الجرائم التي تقع داخل البيئات الافتراضية، ويعدّ التشريع العراقي من بين القوانين التي لم تتطرق بعد إلى هذا النوع من الجرائم، مما يفتح المجال لمرتكبيها للإفلات من العقاب.
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة القوانين لتشمل التحرش الافتراضي، وذلك من خلال:
• تعديل القوانين الجنائية بحيث تتضمن أفعال التحرش داخل البيئات الافتراضية، حتى لو لم يكن هناك تفاعل مادي مباشر.
• وضع عقوبات تتناسب مع طبيعة الجريمة، خاصة أن الضرر النفسي والاجتماعي الناتج عنها قد يكون كبيرًا.
• تعزيز التعاون بين الجهات القانونية وشركات التكنولوجيا لضمان توفير آليات تقنية تحمي المستخدمين من هذه الجرائم.
إلى جانب التشريعات، تلعب شركات التكنولوجيا دورًا أساسيًا في الحد من هذه الظاهرة، وقد بدأت بعض الشركات في اتخاذ خطوات لحماية المستخدمين، على سبيل المثال، أضافت Meta ميزة "الحدود الشخصية" في منصات الواقع الافتراضي مثل Horizon، والتي تخلق حاجزًا غير مرئي حول الشخصيات الرقمية (avatars) لمنع الآخرين من الاقتراب أكثر من اللازم.
ولكن هذه الحلول التقنية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتكامل مع تشريعات واضحة تفرض قيودًا على السلوكيات غير اللائقة في العالم الافتراضي، وتضمن معاقبة من يتجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية.
مع استمرار تطور العالم الافتراضي، يصبح من الضروري أن تتكيف القوانين مع هذه التحديات المستجدة، إذ إن غياب التشريعات الواضحة يترك فراغًا قانونيًا يمكن أن يستغله المجرمون، لذا يجب أن يكون هناك تحرك سريع من قبل المشرعين وشركات التكنولوجيا لضمان بيئة افتراضية آمنة للجميع.
العالم الافتراضي قد يكون مساحة للإبداع والابتكار، لكنه في الوقت نفسه لا يجب أن يكون ملاذًا للمجرمين بعيدًا عن المساءلة القانونية، إذ إن مواجهة التحرش الافتراضي ليست مجرد مسؤولية قانونية، بل هي مسؤولية مجتمعية وتقنية تحتاج إلى تضافر الجهود لحماية الأفراد، خاصة الفئات الأكثر عرضة للخطر.
أقرأ ايضاً
- جريمة بيع السلع والبضائع باقل من سعرها الحقيقي
- الاتجاه الجديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي
- أمثلة استغلال الديمقراطية.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء الثامن