
بقلم: القاضي ناصر عمران
يرى الفيزيائيون أن الكون والحياة تحكمهما قوانين فيزيائية ورياضية دقيقة، الأمر الذي يشير إلى وجود نوع من التنظيم العميق لهذا الكون، والأمر ينسحب حتى على الظاهرة الاجتماعية والحالات الفردية التي يعتقد الفرد أن للصدفة والمفاجئة حضورا فيها، مع أن هذا الرأي يخالف ما يقوله علماء الكونيات والبيولوجيات التطويرية الذين يعتقدون ان الكثير من الظواهر الطبيعية تحدث بشكل عشوائي حيث يؤكد (داروين) ان الطفرات الجينية تحدث عشوائياً، والخلاصة انه ليس غريبا أو من باب الصدفة ان يحتضن شهر آذار في حناياه مناسبات الحب والجمال ابتداءً من عيد المرأة والأم والربيع فهذا الثالوث المهم الذي ترتكز على وقع حضوره سلوكيات الراهن واليومي والمستقبلي في حياتنا والذي يشعرنا بان للحياة جدوى وحلم ورؤية.
وقد شكل عيد الأم الذي يصادف يوم 21/3 من كل عام -والذي جاء بمبادرة من الصحفي المصري علي امين عام 1956- أهم هذه الاعياد لما تمثله الام من كيان معنوي يرتبط به سر الوجود الانساني وينعكس تأثيره بشكل مباشر في الجانب الحياتي والسلوكي. اما في الجانب القانوني فقد كانت ثنائية حقوق (المرأة / الأم ) حاضرة بلحاظ المشرعين ومنهم المشرع العراقي حيث تحظى حقوق (الأم ) هذا الكيان المعنوي الذي يرتبط به سر الوجود بالحماية القانونية فالدستور العراقي لعام 2005 كفل حماية حق الأمومة والأسرة في نص المادة (29 / ب ) التي جاء بالاتي : ( تكفل الدولة حماية الامومة والطفولة والشيخوخة...).
وعلى ضوء ذلك فأن الدولة ملزمة دستوريا وقانونيا بحماية الأمومة والطفولة وترعى الأمهات، خاصة أثناء الحمل والولادة كما انها تلتزم بتوفير الظروف المناسبة لحماية حقوق المرأة والأم بشكل خاص ومنها الحماية القانونية والتي تتحقق من خلال مجموعة من القوانين المدنية والجنائية. فقد جاء قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 بمجموعة من الحقوق لمصلحة المرأة الأم أهمها: حق الحضانة حيث يمنح القانون الأم أولوية في حضانة الأطفال بعد الطلاق حتى بلوغ سن معينة (15 سنة)، ما لم يكن هناك سبب قانوني يمنع ذلك. وحق النفقة فالقانون يوجب على الأب الإنفاق على الأم الحاضنة وأطفالها، سواء أثناء الزواج أو بعد الطلاق طالما كانت مستحقة لذلك.
أما في قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 فقد نص على حقوق الأمهات العاملات، بما في ذلك: إجازة الأمومة مدة ( 14) أسبوعًا بأجر كامل لحمايتها من اجراءات الفصل التعسفي بسبب الحمل أو الأمومة كما تضمن بنصوصه ساعات رضاعة للأم بعد الولادة لفترة معينة خلال العمل. اما بخصوص الحماية الجنائية للمرأة الام فان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وهو القانون الموضوعي العام في القانون الجنائي فقد ضمن للأمهات الحماية من العنف الأسري والإيذاء، حيث يعاقب على أي اعتداء بدني أو نفسي على الأم من قبل أفراد الأسرة. واعتبر الاعتداء على الأم في النصوص العقابية نصاً مشددا في مشروع قانون العنف الأسري في حالات الجرائم ضد النساء والمعروض على مجلس النواب العراقي لغرض تشريعه، خاصة تلك التي تتعلق بالعنف الأسري أو الإهمال، بالمقابل اعتبر بعض الظروف التي توضع فيها الأم وان كان مجرما ظرفا مخففا في الجرائم المرتكبة من قبل المرأة في نصوص عقابية كما في نص المادة ( 408 ) من القانون أما بخصوص حقوق المرأة الأم في الرعاية الصحية والاجتماعية فان الدولة ملزمة استنادا للدستور ولقانون الضمان الصحي بتوفير خدمات الرعاية الصحية المجانية أو المدعومة للأمهات أثناء الحمل وبعد الولادة وقد تضمنت برامج الضمان الاجتماعي والمساعدات الحكومية دعم الأمهات في حالات العجز أو الحاجة إضافة إلى قوانين الرعاية الاجتماعية.
وكلنا امل ان تكون الحماية القانونية للأم حاضرة بشكل اكثر اتساعاً وخصوصية سواء في إطار الأسرة أو العمل أو الصحة، مع الأخذ بنظر الاعتبار التطبيق الفعلي لهذه القوانين التي قد تواجه تحديات تتعلق بالثقافة المجتمعية وآليات التنفيذ والتي نرى من الضروري إدخال برامج توعوية لمواجهة هذه التداعيات واهمها الوعي والثقافة المجتمعية والقانونية، وقديما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:
الأم مدرسـة اذا أعـــــددتـها
أعددت شعبا طيب الأعراق.
أقرأ ايضاً
- الأمن السيبراني وسوسيولوجيا القانون
- العملات المشفرة وتنظيمها القانوني
- الاتجاه الجديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي