حجم النص
بقلم:عباس الصباغ
حفاظا على كيان الاسرة التي هي نواة المجتمع من التشرذم شُرّع الطلاقُ لأسباب محددة وحسب الحاجة والظرف ، منها استحالة استمرار الحياة الزوجية لوجود مشاكل عويصة جدا فيها ولحفظ كرامة طرفي تلك الحياة ولعدم توسع الخلافات الى مالايحمد عقباه او لأسباب قاهرة ، ولم يُشرّع الطلاق اعتباطا او لأسباب مزاجية وتافهة كما يحدث لأغلب الزيجات الفاشلة وبما تشي به البيانات المؤسفة الصادرة عن مؤسسة القضاء العراقي ، ولو يراجع المتزوجون طالبو ايقاع الطلاق انفسهم قليلا لادركوا ان الطلاق امر خطير وخاطئ وربما قد لايكون الحل الاخير لها وان كانت المشاكل شيئا اعتياديا لجميع البشر ولكن ان تستحيل الى خراب يدفع ثمنه الاطفال المساكين الذين ليس لهم ذنب فيما يحدث بين الكبار، ولكن ان تقع مئات الحالات من الطلاق شهريا حسب الاحصاءات الواردة عن دور القضاء فهذا يستدعي التوقف عنده والبحث عن اسباب الخلل الكامنة وراء ذلك الخراب وهذا يعني بلغة الارقام انهدام للكثير من العوائل وان آلاف الاطفال اصبحوا في حكم اليتامى ومصيرهم الى المجهول والتشرد والكثير من النساء اصبحن دون معيل او سند ، والاسباب كثيرة يتعلق البعض منها بالتشريعات والخلل الواضح في تنفيذها او عدم استيعابها ، ومنها مايتعلق بالمجتمع ذاته والاعراف والتقاليد ومنها مايتعلق بالواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلد والاسري ومنها مايتعلق بالوضع النفسي والصحي والمادي لطالبي الطلاق انفسهم . الكثير من الزيجات في العراق تحدث بين شباب في مقتبل العمر ممن ليست لديهم خبرة كافية في الحياة وادارة الحياة الزوجية بأمان، والسبب الثاني هو استسهال فكرة الطلاق لفسخ الرابطة الزوجية ولأتفه الاسباب وكأنه مجرد "معاملة" روتينية تُجرى في اروقة المحاكم وهناك سبب اخر اعتاد عليه بعض المتزوجين وهو البحث عن "حل" سريع لدوامة المشاكل التي تعصف بالحياة الزوجية حيث يلتجئ طرفا تلك العلاقة الى ايقاع الطلاق دون التفكير باللجوء الى طرائق أخر كالاستعانة بذوي العقل والرشاد وكبار السن ، من جانبها دور العدل (المحاكم) تأخذ جميع تلك الحالات على مأخذ الجدّ بل وتسرع في ايقاع الطلاق وتقوم بدورها دون تفعيل حقيقي وجاد لدور (الباحث الاجتماعي ) بل تعدّ دوره عملا روتينيا فتقوم المحاكم بإجراء الطلاق حتى لأتفه الاسباب وبعضها يوصف بالمضحك المبكي ، و كثيرة هي الاسباب منها الاوضاع المالية والاقتصادية ، ولكنها ليست هي السبب الوحيد او الرئيس لارتفاع حالات الطلاق ، بل هناك عوامل أخرى، مثل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، والخيانة الزوجية، والانفتاح الاسري وتدخّل الأهل وتضافر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والبيئية ومضاعفات ازمة السكن و سوء الوضع المادي يدفع الكثيرين من الأزواج للإقامة في منزل أهل الزوج، وهو ما ينتج عنه خلافات مزمنة ما يؤدي غالبا للطلاق ، كما ان العنف الأسري المستشري وسوء الخُلق هما من ابرز دواعي الطلاق ، ولهذا يجب تعديل المادة /41 من قانون العقوبات العراقي التي تبيح ما تسميه بتأديب الزوجة، وتشريع قوانين ملزمة لحماية المرأة ومناهضة العنف الأسري. وتأتي التقاليد البالية سببا اخر في تفشي ظاهرة الطلاق وابرز مثال على ذلك زواج القاصرين بموافقة أولياء الأمور فهم ليسوا واعين ولا مدركين لمتطلبات الحياة الزوجية وشروطها، وغير مؤهلين عاطفيا وجنسيا وجسديا للزواج، وغالبا ما يتم زواج القاصرات بعقد شرعي (خارج المحكمة ) ثم يلجأ المتزوجون بعد سنوات إلى تثبيت زواجهم لدى المحاكم وبعدها يحصل الطلاق و(الخراب)، ويكون القضاء والمحاكم تحت الأمر الواقع حينها، وقد يكون الزوجان أو أحدهما صغيرا في السن، والجهل عند الزوجين وعدم الوعي وانتشار المخدرات في الكثير من الاحيان يكون سببا مضافا للطلاق، وقبل ان تسوء الامور قبل حدوث الطلاق يجب عدم إشراك أي أطراف أخرى من الأقارب من أجل إيجاد حل لأن هناك من يضخّم الأمور ويزيد من عمق الخلاف بقصد أو بدونه فيحدث ابغض الحلال عند الله تعالى . المفروض ان يتم اطلاق حملة توعوية دينية وثقافية وإعلامية لتثقيف المتزوجين اهمية الاسرة ودورها في بناء المجتمع كما يحدث في بعض الدول المتطورة يشترك فيها المؤسسات القانونية ووسائل الاعلام الرصينة ورجال الدين ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة لكي لايكون الطلاق كتحصيل حاصل .