من الثابت عالميا ان اية مدينة ـ او ناد او شارع او محفل او شخص او اتجاه اوتيار او طوطم ـ تحظى او يحظى بقسط معين من القدسية ينظر اليها من زاوية خاصة من قبل الجميع بل حتى من قبل العلمانيين وذوي الاتجاهات اللادينية باعتبار ان القدسية المحتفى بها تنبع من قيمة اخرى غير القيم الدينية او الروحانية مثل القيم الوطنية والاعتبارات القومية والاجتماعية ومن الاعتزاز الذي يتجذر في الذاكرة الجمعية ..اما بالنسبة للذين يتمتعون بحس ديني وايمان نابع من ان المقدس هو مقدس ولا يمكن ان ياتي احد مهما كان و\"يدنس\" تلك القداسة او يهين القيمة المكنونة فيها او يحط من كرامة من يدين بها فهم اولى به وبصيانته .... يصح هذا الكلام على جميع \"المؤمنين\" وفي كل الاديان والمذاهب السماوية منها والطوباوية وغيرها، كل عنده رمز مقدس يحتم على الاخرين ان يحترموه كما يحبون ان تحترم مقدساتهم ورموزهم ...
هذه مقدمة متواضعة سقناها كمحاولة للرد على التخرصات التي استعرت من قبل بعض الجهات التي استكلبت ووجهت سهامها المسمومة الى هذه المدينة التي يتوق الملايين عبر العالم للتشرف باستنشاق عبير شذى الحسين والوقوف امام طلعته البهية وغرته السنية وحضرته العلية والتزود من مناهله العذبة الثرية ..المليارات عبر التاريخ تشرفت بلثم اعتاب ريحانة رسول الله والمليارات تتوالى وستتوالى الى الابد بالزحف نحو كربلاء....المقدسة .
هذه الجهات اساءها وازعجها واقلق راحتها ان تصدر بعض الدعوات التي هي اساسا دعوات متاخرة ولم تصدر الا حين طفح كيل الشرفاء من ابناء مدينة كربلاء الاصلاء مولدا ومنبتا ونشأة ومقرا واتشرف ان اكون واحد منهم ومن تلك المدينة المظلومة التي عانت الويلات تلو الويلات من قبل النظام العفلقصدامي الكافر الملحد الذي افرغ هذه المدينة من محتواها الديمغرافي وقيمتها القدسية وبعد ان ذهب الاصلاء الشرفاء من ابنائها ضحية الاعتقالات والاعدامات والتسفيرات العشوائية بحجة التبعية الايرانية ومن هاجر او هجر او غيب اكثر بكثير ....هذه الجهات ربطت ما بين التوجهات \"الاصولية\" التي عاثت في ارض كربلاء فسادا وافسادا من الذين اساؤوا للدين وللاخلاق وللمذهب من خلال فرضهم وصايتهم الاخلاقية العشوائية والقسرية على الناس من خلال مبدأ\"الامر بالمعروف والنهي عن المنكر\" الذي يحتاج الى شروط فقهية واخلاقية محددة لم يكونوا يتمتعون بها وهم في الوقت نفسه لم يكونوا يعتمدون على اية قاعد حوزوية رصينة تؤهلهم لممارسة هذا الدور الذي كان يمارسه ويطبقه تطبيقا حرفيا علي بن ابي طالب نظريا وعمليا ولكن وبعد ان غاب \"قط\" الديكتاتورية الذي كانت مخالبه \"تخرمش\" كل شيء بواسطة \"العتاوي\" البعثية وبعد ان لعب فار الفوضى بـ \"عب\" البعض فجاء \"شعيط ومعيط\" ليفرض على الناس اتاويه التي لم يطبقها هو على نفسه ..وهو احوج اليها من غيره ومن العجيب العجاب ان ياتي من هب ودب ليدافع عن الدين والمذهب ويفرض احكامه على الناس بالقوة مما ولد نفورا عاما من تلك الاحكام التي فسرت وطبقت خطأ وجهلا واسسوا حكما سلبيا مسبقا حول اي اصلاح ...
كربلاء التي احرقت ودمرت وسلخت وغير وجهها مرات ومرات
كربلاء التي مسخت خارطتها المعمارية ونسيجها الاجتماعي وطمست هويتها الحضارية ومحيت بصمتها الروحانية مرات ومرات..ياتي اعراب الجاهلية الثانية ليعيدوا لنا الكرة البعثية الالحادية اللاأخلاقية ثانية..ولكن !!
حتى اعراب الجاهلية الاولى كانوا ينظرون بعيون ملؤها القدسية والاحترام الى الحرم المكي الشريف رغم انه كان يعج بمئات التماثيل والاصنام وكل كاهل لغير وجه الله ...
ومن يتجول في حاضرة الفاتيكان عاصمة النصارى لا يجد الا مايدل على الالتزام بقواعد الاداب العامة والاخلاق والحشمة ولن تجد احدا يتجرأ او يفكر مجرد التفكير في ان يسيء الادب او يخالف القواعد البروتوكولية المتبعة..ويصح القول على المعبد الذهبي للسيخ ـ على سبيل المثال ـ او عند تمثال بوذا او عند بقرة يعبدها الهندوس من دون الله تعالى ...وحتى القبائل المتوحشة التي تعبد الطوطم فهي تحيطه والمنطقة التي يعبد فيها بهالة من القداسة والتبجيل..وهكذا عبدة النار والاحجار وكل من يعتنق دينا من الاديان ويجعل ما يعبد مثابة للقداسة التي يراق على جوانبها الدم وتسقط \"الشهداء\" وتقوم الدنيا ولا تقعد من اجل ذلك ...فالكل يضع خطوطا حمرا الويل لمن يتجاوز عليها والكل له خصوصية هو معتز بها ...وقد اشار القرآن الكريم الى هذه الخصوصية بقوله ( لاإكراه في الدين) وهذه هي الدرجة العليا من الديمقراطية وحرية التعبير التي ينادي بها البعض ممن لا يعرف من الديمقراطية سوى شعار يلكونه ويجترونه دون ان يعرفوا مضمونه وينادون بحرية التعبير وافساح المجال لاقامة الملاهي ونشر الرذائل في بقعة لاتماثلها في الطهارة اية بقعة اخرى في الملكوت ..ان البعض من الأفاقين وشذاذ الاحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان من الذين لم تكفهم اشاعة الفاحشة والمنكر والخلاعة في بلاد الله العريضة بحجة الديمقراطية وحرية التعبير بل ارادوا ان تشمل ارض الطف المعمدة بدم الحسين ليحولوها بارجاسهم ونجساتهم الى مرتع لشياطينهم واراذلهم واخلاقهم \"المستوردة\" من العالم المتحضر طاعنين بالمرجعية الشريفة متهمين اياها بالرجعية والتخلف لانها تريد كما يريد جميع الشرفاء في العالم ان تبقى كربلاء مدينة مقدسة وذات طابع حسيني الى الابد..
هؤلاء لم يرق لهم رؤية المدينة الاكثر قدسية لدى عموم المسلمين طاهرة مطهرة من كل دنس وعيب كما طهر الله الشهيد الثاوي في تربتها في ام الكتاب وجعله خامس خمسة في آية التطهير وباجماع المسلمين رغم انف كل من في قلبه زيغ او مرض..يريدون ان يمارسوا \"ديمقراطيتهم\" العرجاء الشوهاء ويمارسوا \"حقهم الطبيعي\" في الاستهتار والاستحمار على نفس الاديم الذي تشحطت عليه وترملت بدمائها تلك الكوكبة الفاخرة التي ليس لها نظير في التاريخ من آل عبد المطلب والثلة الطيبة التي خاطبها الامام الصادق بقوله \"بأبي انتم وامي\" من الذين وفقهم الله لنيل الشهادة بين يدي الحسين ..على هذا الصعيد انتثرت اشلاء شهداء الحق التي قطعتها البغاة بسيوفها وعليه سقطت دماء الرضيع وعلي الاكبر والقاسم وحبيب وزهير وجون وعلى ضفة فراته هوى قمر الهاشميين صريعا فداء لسبط النبي المصطفى الامين...وعلى هذا الصعيد تعثرت ربائب الوحي والرسالة باذيال عفافهن وهن ينتقلن من مصرع الى مصرع ومن الخيام التي احرقها الظالمون الى حيث المجهول صرخات نادبات وعلى الخدود لاطمات ..على هذا التل وقفت كريمة امير المؤمنين ونعت الحسين بنعي ابكى الاعداء قبل الاصدقاء وعلى هذا التراب رمي اصبع للحسين طالما كان رسول الله يداعبه ويقول حسين مني......اعلى هكذا صعيد يقيم هؤلاء الافراح والليالي الملاح مستبشرين فرحين كما فعل يزيد على ربى جيرون !! او تعرض الملابس النسائية وغيرها كما تعرض في دور الزياء المشبوهة في باريس وغيرها ....وباية ديمقراطية وحرية تعبير وضمن المبادئ العلمانية ـ التي لم يفهمها هؤلاء او يعرفوا منطوقها ومداليلها فضلا عن فلسفتها وتطبيقها ـ تقام الاحتفالات والمراقص وينشد المغنون ويعزف العازفون ويرقص الراقصون ومن حقهم ان يفعلوا ذلك ولكن بعيدا عن كربلاء الحسين وحتى وان فعلوا ذلك ، ومن حقهم ان يفعلوا في اي مكان ، فعليهم احترام الآداب العامة ومشاعر واذواق الناس...الم ينظر هؤلاء ولو بنصف عين الى الناس في أرجاء المعمورة كيف يحترمون مقدساتهم ويصونونها لافرق بين متدين او غير متدين مادامت هذه المقدسات تمثل احدى الرموز القومية المعتبرة لهذا البلد او ذاك ...
وختاما اقول لهؤلاء كما قال الحسين على ذات الصعيد يوم عاشوراء: ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون ...