- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جريمة بيع السلع والبضائع باقل من سعرها الحقيقي

بقلم: القاضي أريج خليل
عرف قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم 14 لسنة 2010 المنافسة بانها الجهود المبذولة في سبيل التفوق الاقتصادي، كما عرف القانون ذاته مصطلح الاحتكار بانه كل فعل او اتفاق او تفاهم صدر من شخص او اكثر طبيعي او معنوي او ممن توسط بينهم للتحكم بالسعر او نوعية السلع والخدمات بما يؤدي إلى الحاق الضرر بالمجتمع.
وسعى المشرع العراقي من خلال إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار إلى تنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة بالمجتمع التي يقوم بها المستثمرون او المنتجون او المسوقون او غيرهم في جميع النشاطات الاقتصادية.
وقد لوحظ في الآونة الأخيرة ظهور عدد من المولات الكبيرة الخاصة بالتسوق المنزلي وذات الفروع الكثيرة المنتشرة في البلد تشتري كميات كبيرة جداً من البضائع من الشركة المنتجة او من الجهة المستوردة وتشترط على الشركة المنتجة او المستوردة أن تبيعها بسعر منخفض جداً مقابل شرائها هذه الكمية الكبيرة فتقوم هذه المحلات ببيع البضائع بربح قليل، ولو باعت بمثله المحلات الصغيرة لخسرت فتجذب هذه المحلات الكبيرة بهذا التصرف غالب المشترين من أصحاب المحلات الصغيرة ويلحقها ضرر كبير ولا تستطيع هذه المحلات الصغيرة الدخول معها في المنافسة، ومع ذلك يكون ربح صاحب المحلات الكبيرة ربحاً مضاعفاً لأن الربح القليل بالكميات الكثيرة يتحول إلى ربح كثير جداً والمستهلك يشتري أكثر من حاجته لخوفه ألا يجد فرصة للشراء بمثل هذا السعر.
وقد حرمت الشريعة الإضرار بالغير فمنعت بيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه كل ذلك منعاً للضرر الواقع بين المسلمين فإذا كان ذلك بين آحاد المسلمين وضرره محدود فكيف إذا كان الضرر يقع على عامة التجار وصغار الباعة، فإذا رأى الباعة أن بعض التجار يبيع بسعر لا يمكن لهم أن يبيعوا به ولو باعوا به لخسروا فلا شك أن مثل ذلك سيكون سبباً للعداوة والبغضاء، وإذا كانت الشريعة قامت بحماية المشتري عن طريق تحريم الاحتكار، وتحريم الغبن، فإن أهل السوق هم مشترون قبل أن يكونوا باعة، وإن السلع التي في محلاتهم ليست نتاجاً وإنما اشتروها طلباً للربح، فتعريضهم للخسارة ضرر كبير بهم يعود في نهايته على المستهلك فإن هؤلاء الكبار إذا ألحقوا الضرر بصغار الباعة، وأخرجوهم من السوق، تحكم هؤلاء فيما بعد بالمستهلك، وصاروا هم وحدهم اللاعبين بالسوق، فالشريعة قامت على العدل، فهي في الوقت التي تحمي المشتري من أن يتعرض للاستغلال، تحمي البائع كذلك من أن يتعرض للخسارة بفعل غيره.
قانون المنافسة ومنع الاحتكار النافذ عالج هذه الحالة في المادة 11 التي نصت:
اولا: يحظر على اية جهة اعادة بيع منتج على حالته بسعر اقل من سعر شرائه الحقيقي مضافا اليه الضرائب والرسوم المفروضة على المنتج ومصاريف النقل ان وجدت اذا كان الهدف من ذلك الاخلال بالمنافسة المشروعة، ويقصد بسعر الشراء الحقيقي: السعر المثبت في قائمة الشراء بعد تنزيل الخصومات المنصوص عليها فيها.
ثانيا: لا يشمل الحظر المنصوص عليه في البند (اولا) من هذه المادة المنتجات سريعة التلف والتنزيلات المرخص بها لأي بيع يتم لتصفية الأعمال او تجديد المخزون بأسعار اقل "فيكون هذا الفعل الصادر من كبار التجار محرم شرعا ومجرم قانونا ويعتبر جريمة بموجب القانون ولا يدخل في باب المنافسة المشروعة وفي ذات الوقت فان القانون أعلاه استثنى من التجريم حالة بيع المنتجات سريعة التلف باقل من سعرها الحقيقي وكذلك بعض التنزيلات المرخص بها.
كما تم تشكيل مجلس بموجب القانون يسمى (مجلس شؤون المنافسة ومنع الاحتكار) يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري يرتبط برئاسة الوزراء ويراس المجلس شخص متفرغ بدرجة وكيل وزارة له خبرة كافية في شؤون السوق والامور المتعلقة بالمنافسة والاحتكار ويتألف المجلس من أعضاء من وزارة الصناعة والمعادن ووزارة التجارة ووزارة الاتصالات وعضو بدرجة خبير او ما يعادله يمثل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية / وزارة التخطيط واعضاء آخرين من اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات العراقي ومجلس حماية المستهلك والجهات الاخرى ذات العلاقة.
المادة 13 حددت عقوبة بيع البضاعة باقل من سعرها الحقيقي ونصت:
اولا - يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 1 سنة ولا تزيد على 3 ثلاث سنوات او بغرامة لا تقل عن (1,000,000) مليون دينار ولا تزيد على (3,000,000) ثلاثة ملايين دينار كل من خالف احكام هذا القانون.
ثانيا - للمتضرر المطالبة بالتعويض لدى المحكمة المختصة ان كان له مقتضى.
وقد تم إعطاء مجلس المنافسة والاحتكار وبموجب المادة 5 من القانون تشكيل لجان لضمان حسن تنفيذ القانون واعطت اللجان لموظفيها صلاحية الدخول خلال ساعات العمل الى المحال التجارية والمكاتب والشركات ذات العلاقة، لإجراء المعاينة او التفتيش والاطلاع على المستندات والسجلات والملفات بما فيها ملفات الحاسوب والاحتفاظ باي منها او بنسخ عنها والزمت موظفيها بالكشف عن هويتهم والسماح لاصحاب العلاقة بالاطلاع على التفويض الخطي.
وبكل الاحوال يبقى الرادع الاهم هو الإجراءات القضائية التي تتخذ ضد كل من يؤثر على أسعار السوق بهدف الربح على حساب المستهلك وعلى حساب البائع البسيط مستخدما اسلوب المنافسة غير المشروعة ابتداء وصولا إلى احتكار السوق لاحقا.
أقرأ ايضاً
- التحرش الافتراضي.. جريمة في عالم رقمي جديد
- تأثير التحول الرقمي على الجريمة المنظمة: التحديات القانونية الواجب مواجهتها
- تنمية الذات والحد من الجريمة