- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصياح.. بين الرأي الشرعي ودائرة التحليل النفسي
بقلم: علي الراضي الخفاجي
من الظواهر الممقوتة خصوصاً في الممارسات الدينية والتي تحصل في التلاوة والدعاء والرثاء وحتى في الصلاة على النبي محمد صلوات الله عليه وآله، وهي الجهر المفرط في الصوت إلى الحد الذي يخرج به عن الذوق وينفر منه السامعون وقد يسبب التشويش أو يسلبهم الخشوع في عباداتهم، خصوصاً في الأماكن المقدسة والتجمعات الدينية التي تقام في المناسبات الإسلامية، فماهو موقف الشارع المقدس منه؟
الصياح في التلاوة والأذكار ظاهرة مخالفة للذوق، وقد يقوم به البعض بتأثير جمعي يقلد به الآخرين دون أن يلتفت إلى أضراره، وقد نسمع من بعض القراء وهو يبرر صياحه خصوصاً من خلال مكبرات الصوت أنه لابد أن يعلو صوت القرآن على جميع الأصوات غافلاً عن أنَّ عُلُوَّ القرآن ليس في هذا إنما في محتواه العظيم وهيمنته على كل الأفكار والدساتير، وهو صامت ينتظر من يستنطقه بعقله وإيمانه، حتى أنَّ بعض القراء في المحافل القرآنية تصبح أوتارهم ضحية هذا الصياح لتكلفهم في الأداء وركوبهم الموج الصعب لبلوغ أعلى الطبقات الصوتية لنيل إعجاب السامعين، ولايكون الأذان بمنأى عن هذه الظاهرة ففي هدأة الليل التي ينتظر فيها المسلم صوت المؤذن ليجهر بكلمات تقشعر لها الأبدان وتدغدغ القلوب قبل الآذان قد يكون سبباً في النفور من بعض المؤذنين بسبب الصياح المفرط خصوصاً في سوء استعمال مكبرات الصوت إلى الحد الذي يضيع معها الإحساس بما توحيه كلمات الأذان.
ولا نلوم من يبدي محبته أو عدمها لبعض القراء أو المؤذنين أو قراء الأدعية والرثاء من طريقة أدائهم إلى الحد الذي يصل إلى مقارنتهم بمن يُحْسِنُ، فهذا أمر طبيعي لايخرجهم من دائرة الإيمان ولايدخلهم في الكفر لأنَّ الإنسان بحد ذاته فنان يُحْسِنُ الأداء والاستماع ويميز عناصر الجمال فيما يسمع، وبهذا الخصوص أدَّبنا سبحانه وتعالى بقوله في محكم كتابه العزيز ((واغْضُضْ من صوتك)) لقمان/19، وروي عنه صلى الله عليه وآله نهيه عن رفع الصوت في المساجد حيث قال:(جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم..).
وقد يفهم البعض حديثه صلى الله عليه وآله: (ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ فإنها تُذهبُ بالنفاق) مبرراً للصياح المفرط، وفي هذا الحال لابد من الرجوع إلى مفهوم الجهر فإنَّ له مستويات تخضع لطبقات صوتية تدرُّجيَّة لسنا بحاجة إلى أن نستعملها دائماً في التجمعات التي تتعدد فيها الأغراض في العبادات، كما ورد نهيه عن الجهر بالقراءة الجماعية في المساجد بالشكل الذي يضرُّ المصلي، فقد روي عنه أنه خرج على الناس وهم يصلون وقد عَلَتْ أصواتهم بالقراءة فقال:(إنَّ المصلي يناجي ربه فلينظر ماذا يناجيه به، ولايجهر بعضكم على بعض في القرآن).
ومن هذه الظواهر أنَّ البعض يدخل المسجد رافعاً صوته بالسلام ومكرراً له تماماً كالطريقة التي يسلم بها وهو يدخل في مجلس اجتماعي، في حين لايجب ذلك إلا بمقدار ما يسمعه القريب دون البعيد.
وعلى العموم لم تبعد ظاهرة الصياح عن دائرة التحليل النفسي فمن خلال هذه الظاهرة نتعرف على أحوال بعضنا، بل تُعدُّ أحد مقاييس ثقافة الشعوب، فالصوت العالي في الغالب يُعدُّ مؤشراً على أنه أثر لردة فعل أو خوف أو قلق، وقد يقوم به البعض لأجل السيادة على الآخرين أو تحقيق غلبة وانتصار أو تغطية لأخطاء ونواقص فاضحة كما يحصل في المساجلات والنقاشات، وقد يكون دالة على الذعر والجبن في المواقف الحرجة والصعبة كما في المعارك، فقد ورد في الحديث الشريف ضمن نواهيه صلى الله عليه وآله المحمولة على الكراهة ما حكي عنه أنه كان يكره رفع الصوت عند ثلاث:(عند الجنازة وإذا التقى الزحفان وعند قراءة القرآن).
أقرأ ايضاً
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- وسائل تضليل الرأي العام
- حرية الرأي في العراق، بخطى ثابتة.. إلى الوراء دُر!