- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الذباب الالكتروني وأثره في صناعة الرأي العام
بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
الرأي العام هو الاعتقاد السائد أو إجماع الآراء او الاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب أو الجمهور تجاه أمر او ظاهرة او قضية او موضوع معين يرد حوله الجدل، وهذا الإجماع له قوة وتأثير على القضية او الموضوع الذي يتعلق به. او هو الرأي السائد بين اغلبية الشعب الواعي في فترة معينة لقضية او اكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الاغلبية او قيمها الاساسية مساسا مباشرا.
وتعد ظاهرة الذباب الالكتروني او ما يعرف باللجان الالكترونية او الجيوش الالكترونية او المتصيدين او البوت نت، إحدى آفات العالم الافتراضي التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية نتيجة التطورات المتلاحقة والمتسارعة فيها والتي تعد احدى وسائل الحروب الالكترونية المستخدمة من قبل الدول او المنظمات او الشركات والتي لا حاجة فيها الى استخدام الوسائل البشرية او إنفاق الاموال لتحقيق مصالحها واهدافها السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او العسكرية بخلاف ما هو عليه الحال بالنسبة للحروب التقليدية، اذ يقاس تطور الدول حاليا بحسب تطورها التكنولوجي والالكتروني.
ويعرف الذباب الالكتروني (Electronic flies) كونه حسابات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة، يتم استخدامها عن طريق برامج متخصصة او مجموعة من الأشخاص وتعمل على تكثيف نشر منشورات معينة او تغريدات بأعداد كبيرة وتشمل على معلومات خاطئة او كاذبة وغير صحيحة بهدف تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام خدمة لمصالح بعض الدول او الكيانات او الشركات او الاشخاص، او هو مجموعة من الحسابات الآلية المبرمجة على نشر اخبار او ترويج شائعات واكاذيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بغية صناعة الرأي العام او التأثير عليه او لأهداف اخرى تخدم فئة دون اخرى او فكرة دون ما يقابلها، وتنشط تلك المجاميع ابان الازمات السياسية او الانشقاقات الفكرية وقد تتوسع دائرتها لتكون شاملة للحكومات او المؤسسات الاقتصادية.
ويوصف الذباب الالكتروني بانه حرب التغيرات، جنودها مجهولون واسلحتها الحواسيب وساحاتها منصات التواصل الاجتماعي وهدفها البلدان الآمنة المستقرة والتي يعيش مواطنوها بأمن وسلام واستقرار. وتعد من اخطر الأدوات الرقمية التي تدار ببرمجيات وروبوتات وباشراف بشري مباشر وباستخدام حسابات وهمية لتحقيق اهداف وغايات غير مشروعة من خلال نشر معلومات مضللة وتحريف للحقائق.
واستخدام الذباب الالكتروني إنما يتم بطريقتين الأولى تتمثل بالرد الآلي المباشر بواسطة برنامج معد سلفا لهذا الغرض، ويمكن من خلاله الرد على موضوع معين تلقائيا متى ما تم عرض احد المواضيع المدرجة فيه او عند عرض ذلك الموضوع من قبل اشخاص تم درج أسماؤهم فيه مسبقا، اما الثانية فهي قيام الاشخاص العاملين فيه ووفق خصائص وصفات ومميزات متوافرة بهم لغرض الرد على تلك المواضيع للتاثير على الرأي العام داخل المجتمع. لذا فان الذباب الالكتروني يتغذى على فضلات العالم الافتراضي بواسطة اشخاص مجهولين ومتخفين خلف شاشات مواقع التواصل الاجتماعي، لاستغلال الازمات الحاصلة داخل الدول او تعكير صفو الحياة العامة لافراد المجتمع من خلال نشر الشائعات وفبركة الاخبار وتغير الحقائق وانتهاك الخصوصية ونشر الصور والفيديوهات المسيئة لغرض التسقيط او التشهير وتصفية الحسابات او الابتزاز الالكتروني باشكاله المتنوعة والمساس بامن المجتمع وقيمه وتقاليده واعرافه الاجتماعة.
ويستخدم الذباب الالكتروني لتحقيق اهداف ودوافع غير مشروعة ومنها الدوافع الارهابية المتمثلة من قيام المجاميع الارهابية الى استعماله لنشر والترويج لافكارهم المتطرفة لدى افراد المجتمع وتشجيعهم للانتماء اليهم وكسبهم ضمن مشاريعهم الارهابية، وقد يكون الغرض سياسيا ويظهر ذلك جليا اثناء فترة الانتخابات الرئاسية او البرلمانية لغرض الترويج لمرشح معين او حزب محدد على حساب منافسيهم من المرشحين الآخرين او الاحزاب المرشحة الاخرى، وسبق ان تم اتهام روسيا باتباع ذلك الطريق والتاثير على الانتخابات الرئاسية الامريكية عام ٢٠١٦، كما يمكن ان يكون الهدف اقتصاديا من خلال استهداف احدى الشركات التجارية او منتجاتها من قبل شركة اخرى منافسة لها في العمل، وقد يكون الغرض المراد تحقيقه هو الدافع الاجتماعي وإثارة النعرات الطائفية بين افراد المجتمع الواحد من خلال اثارة الفتن والشائعات وتضليل الرأي العام حول اعرافه وتقاليده، إضافة الى كل ذلك فقد يكون الدافع من استخدام الذباب الالكتروني هو سرقة البيانات الفردية او خرق قاعدة البيانات للمؤسسات او الشركات وبيعها لاحقا لآخرين للحصول على مبالغ مالية غير مشروعة وباستخدام وسائل الاحتيال الالكتروني.
ولمواجهة ظاهرة الذباب الالكتروني فأن الامر يتطلب تعزيز الوعي الثقافي والعلمي لدى افراد المجتمع لتعزيز المناعة الرقمية من خلال طرح البرامج التعليمية الهادفة الى تعزيز الفكر النقدي والوعي الرقمي لديهم، اضافة الى دعم الاعلام الحر المستقل بتقديم المعلومة الصحيحة والموثوقة المصدر ونبذ الافكار المضللة والاخبار الكاذبة وتطوير خوارزميات العالم الافتراضي لكشف الحسابات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، اضافة الى تكثيف الجهود بين شركات تلك الوسائل، اذ ان شركة الفيس بوك قد كشفت عن وجود ٦٠ مليون حساب وهمي لديها كما بادرت شركة تويتر الى حجب ٧٠ مليون حساب وهمي.
كما ان تحقيق الغرض المذكور انما يوجب على السلطات التنفيذية والتشريعية اقتراح وتشريع القوانين لتجريم تلك الظاهرة وفرض العقوبات المقيدة للحرية والمالية المناسبة للحد من ارتكاب تلك الظاهرة وانتشارها بين افراد المجتمع العراقي، وبصورة مشابهة لما هو عليه الحال في دولة الامارات العربية المتحدة عندما شرعت قانون مكافحة الشائعات والجرائم الالكترونية والذي تضمن فرض عقوبات شديدة بحق من ينشر او يعيد نشر الاخبار الزائفة والشائعات، سيما ان قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية لم يشرع في العراق حتى الوقت الحاضر رغم ان مقترح القانون المذكور مقدم على طاولة البرلمان منذ العام ٢٠١١، ومع ذلك فانه لا يوجد ما يمنع من تطبيق قواعد واحكام قانون العقوبات المرقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ على تلك الظاهرة، ويخضع التكييف القانوني لها لقاضي التحقيق ابتداء ثم لمحكمة الموضوع لاحقا.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- جرائم الإضرار بالطرق العامة