بقلم: عبد المنعم الأعسم
ظهور مدعين بحماية الشرعية، خارجين منها وعليها، منتحلين الانتساب لها، فاصلة اخرى في ابتذال المفاهيم، وفي اخصاء مفاعيلها في الواقع والممارسة، فلا الذين تظاهروا يوم الجمعة الماضي دفاعا عن الشرعية (والادق: زعاماتهم) تعنيهم الشرعية (الرسمية) ممثلة في رئاسة الدولة التي عهد لها، في النص الدستوري، حماية الشرعية والدستور، ولا هم (أعني تلك الزعامات) مشغولون باسناد الحكومة، صاحبة مفاتيح الشرعية وفق التصويت البرلماني والاعتراف الدولي، ولا قلقون (بالتأكيد) من التهديدات ضد السلطة التشريعية التي (بحسب كل الدساتير والاعراف) ممثلة الشعب وكل ما له صلة بالشرعية.
بل انهم (انتباه) مصرّون على اسقاط الشرعية من حيث يدرون، أو لا يدرون، من خلال رفضهم المعلن لرئاسات هذه العناوين الشرعية، وباسماء اصحابها، عبوراً من فوق السلطة القضائية التي (في الواقع) لم ترد الاشارة الى علاقتها بالشرعية في كل ابواب الدستور والقوانين الناظمة لسلطة القضاء، فان مهمتها تفسير النصوص المُتلاسن عليها بين الجماعات السياسية، واتخاذ القرارات ذات الصلة، وشاءت بعض التفسيرات والقرارات ان تشعل مواقد الصراع السياسي بالحطب اليابس، بدل ان تطفئها.
والحال، عندما تظاهر انصار تحالف الاطار التنسيقي دفاعا عن الشرعية، تساءل الكثيرون، وبينهم كتاب ومراسلون واكاديميون: اليس بين قادة هذا الجمهور من يعرف معنى ومفهوم ومصطلح الشرعية، ومصادرها، واصحابها، والسبل الضامنة، ولا مَن امعن النظر في البحوث والدراسات المعتمدة عن الشرعية قبل صياغتها كشعارٍ للتظاهر، وفقرة في اعلى المهام؟.
ثم.. عن اي جنس من اجناس الشرعية يدافعون؟ شرعية النظام البرلماني بجلاء احكامه في دلالة الفائز والخاسر في الانتخابات؟ أم شرعية عتيقة، تعود بنا الفي عام الى الوراء، حيث كان الاباطرة الصينيون من سلالة (زو) الشهيرة في ذلك الزمن الغائر في التاريخ يستمدون حكمهم من «التفويض السماوي»؟ ام شرعية التضحيات في معارك ترسيخ الوطنية والاستقرار والخدمات والنزاهة والجشع واعمال النهب والتجييش الطائفي؟.
على انه من بين تأويلات كثيرة لمفهوم الشرعية المعاصر يصف العالم السياسي الأمريكي روبير دال الشرعية بأنها كالخزان: طالما بقي الماء في مستوى معين يُحافظ على الاستقرار السياسي، وإذا ما انخفض عن المستوى المطلوب تتعرض الشرعية السياسية للخطر، على يد مدعيها الزائفين.
وبعيدا عن اشكالية المصطلحات ومشكلات الاجتهاد حول الزاوية التي يُنظر منها الى احتياجات اي نظام للشرعية، فان البلدان التي تشهد منازعات مجتمعية (مثل بلادنا) احوج ما تكون الى شرعية عادلة، نزيهة، لا يلبس رداءها من انتهك ابسط لوازمها، ولا تُبتذل الى الحد الذي تبدو معه كخرقة مسح، فيما تعيد بنا الذاكرة الى احتجاجات تشرين الملايينية حين دافعت احزاب السلطة عن الشرعية باعمال القنص والاختطاف، فطبقت بذلك الجزء الابتدائي من ابجدية الشرعية: الشر.
استدراك:
«مَن نسيَ خطيئته استعظمَ خطيئة غيره».
الإمام علي (ع)