مع تزايد التحذيرات عالميا من مخاطر التلوث الحاصل في الهواء والتربة والأنهار، تشهد بيئة العراق تلوثا في المجالات كافة حتى باتت تشكل أزمة تعجز المحاولات الحكومية وغير الحكومية عن حلها، كما لم تنجح لحد الآن، معظم مبادرات التوعية بتوجيه المجتمع نحو مسارات صحيحة تعزز من حماية البيئة، في وقت يحذر فيه المختصون من أن المخاطر البيئية في البلاد باتت تهدد حياة المواطنين.
ويقول الناشط البيئي أحمد صالح، إن "العراق يعاني بشكل كبير من معدلات التلوث منذ سنوات، وفي المقابل فإن مستوى نشر التوعية ضعيف جدا للتعريف بمخاطر التلوث ما يتطلب زيادة نشرها في ظل النشأة والتربية للأجيال الجديدة بالمراحل الدراسية الابتدائية وتدرجا للأعلى وصولا أيضا إلى دوائر الدولة".
ويضيف أن "الملوثات البيئية أغلبها ناجمة من القطاع الصناعي الحكومي والمستشفيات والبلديات التي تعتبر الأكثر مساهمة في زيادة التلوث خاصة من خلال الانبعاثات الغازية والكاربونية والغازات الدفيئة في الهواء والمياه، حيث يتم طرح المواد السامة صعبة التحلل".
ويشدد صالح، بأن "على العراق الذهاب لتطبيق المفاهيم والمحددات البيئية العالمية ويلتزم بما يحتسبه الأثر البيئي في كل مشروع يتطلب وجود خطة لتطبيقه".
ويشير إلى أن "العراق بتغييب تطبيق المفاهيم العالمية البيئة سيواجه خطرا خلال السنوات المقبلة ينتج عنه تضرر النظام البايولوجي للإنسان والحيوان مع تزايد الملوثات الملحية والسمية في المياه، لاسيما ما حدث على سبيل المثال في منطقة البتيرة والكحلاء بمحافظة ميسان نتيجة المياه الثقيلة في الأنهار التي أثرت على نوعيتها حيث انتشرت فيها المواد السمية ما تتسبب بإصابة الكثير من المواطنين بأمراض تنفسية وسرطان الجلد ونفوق الحيوانات".
ويوضح الناشط في مجال البيئة، أن "هناك فريقا متخصصا يقوم بتدقيق هذه التقارير الواردة من المواطنين بعناية قبل نشرها على التطبيق، ومن ثم يعد تقييمات مفصلة يتم إرسالها مباشرة للدوائر الحكومية ذات العلاقة"، مشيرا إلى أن "التقارير التي تصل للإبلاغ عن حالات التلوث بلغت 50 إلى 70 تقريرا يوميا".
وبينما تنخفض مبادرات التوعية الحكومية حول التلوث بأشكاله المتعددة، تظهر بين الحين والآخر مبادرات مجتمعية أو من قبل منظمات دولية لإطلاق حملات إرشادات حول ذلك، ولعل أبرزها ما قام به ناشط بيئي خلال العام 2023 حيث أطلق تطبيقا إلكترونيا لتوعية المواطنين ومحاربة التلوث من خلال الإبلاغ عن وجود عوامل تسبب تلوث في مناطقهم، كما أوردته صحيفة "ذا ناشيونال".
يشار إلى أن العديد من المختصين حذروا من تراكمات ولدت التلوث الحاصل في العراق وهي تتعلق بملف شح المياه والتصحر الذي تتمكن الحكومات من طرح حلول واقعية بشكل مقنع لمعالجته، وإلى جانب ذلك تأتي النشاطات العسكرية شمالا وغربا والتي أثرت وتؤثر بشكل مستمر على صحة الإنسان وبيئته.
وبهذا الصدد، ترى الأكاديمية المختصة في مجال التلوث والبيئة، إقبال لطيف، أن "نسبة تلوث الأنهار في العراق تبلغ 100 بالمئة، بينما التربة تبلغ 90 بالمئة، حيث لا تخلو غالبية الأقضية والنواحي منه وهذه النسب تجاوزت الحدود الدولية المسموح بها".
وتوضح أن "هذه النسب تمثل تدهور النظام البيئي للبلاد الذي دفع لهجرة الطيور والحيوانات لغياب التنوع البايولوجي وانتشار الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية، في المقابل التوعية البيئية لمواجهة التلوث لم ترتق للمستوى المطلوب الذي يوازي الخطر المتنامي، بل أن هناك تعايشا مع التلوث وحالات مرضى السرطان واستخدام مياه تحتوي على كميات طينية وتعدد حالات التسمم وانتشار الكوليرا".
وتنبه لطيف، إلى أن "التوعية يفترض أن تكون مسؤولية حكومية عبر المؤسسات المختصة بالجانب البيئي وقائمة على أساس وجود خطر حقيقي في كل مكونات البيئة العراقية من الماء والهواء والتربة، كما أن الحقيقة التي يجب الاعتراف هي وجود تلوث إشعاعي نتيجة الحروب في السنوات الماضية".
وعن الحلول الممكنة، تؤكد الأكاديمية، أن "إمكانية معالجة مياه الصرف الصحي التي تدخل في الأنهار والاستفادة منها بسقي الأشجار بعد معالجتها يجب أن تقوم به الحكومة من خلال نصب وصيانة المحطات المختصة، كما توجد مشكلة معقدة بعمليات استخراج النفط عبر الشركات الأجنبية التي تستخدم كميات كبيرة في مياه الآبار حيث تساهم المواد الهيدروكربونية الناجمة عن هذه العملية بانتشار غاز الميثان الذي يؤدي للاحتباس الحراري ما يدفع لحاجة ضرورية لأن تقوم الحكومة بفرض الضرائب على الشركات غير الملتزمة بالمعايير البيئية ومحددات السلامة".
وتلفت لطيف، إلى أن "النشاطات العسكرية في المناطق الشمالية والغربية عبر القواعد العسكرية الأمريكية والترسانة الكبيرة تتسبب على مدار السنة بإصابات بأمراض المستقيم والقولون للجنود أولا والمواطنين ثانيا، كما أن الوضع ينذر أيضا بزيادة احتمالات الإصابة بالسل الرئوي وسرطانات الغدد اللمفاوية والدرقية".
وتشير إلى أن "انخفاض مناسيب الأنهار وعدم هطول كميات أمطار جيدة أدى لاستخدام الخزين من السدود وهذه مشكلة معقدة فيما تقف الحكومة بمحل المتفرج على الأزمة دون اتفاقات مع تركيا وإيران حيث يتم حرمان العراق من كمياته التي يستحقها عبر بناء السدود وحصر المياه لدى هاتان الدولتان".
وتختم حديثها، بأن "الجفاف الحاصل تسبب بمجاعة لارتفاع نسب الملوحة والتصحر وهي مشاكل معقدة ستزيد مع استمرار عدم حصول العراق على حقوقه المائية ما ينذر بكارثة، ورغم وجود الحلول لدى المختصين والأكاديميين لكن لا أحد يأخذ بها".
وفي هذا الوقت الذي يفترض أن تكون رغبة وزارة البيئة قد تحققت بتوقف التجاوزات الحاصلة من قبل المؤسسات الصحية وإيقاف طرحها للمواد الملوثة في الأنهار وفقا لما عبر عنه المتحدث باسمها في تصريحات سابقة خلال العام الحالي، حاولنا التواصل مع المتحدث باسمها لمدة يومين متواصلين لكن دون رد منه.
من جانبه، يقول المختص في إدارة الأزمات علي الفريجي، إن "العراق يواجه كارثة بارتفاع قياسي لمعدلات التلوث، وأخطر أنواعه هو تلوث البنى التحتية، والهواء أيضا الذي أصبح تلوثه يعادل 11 ضعفا مما كان عليه في السنوات السابقة".
ويضيف الفريجي، أن "الإجراءات الوقائية عشوائية جدا من قبل مؤسسات الدولة كافة، وهذا الإهمال هو ما تسبب في عدم تبني إستراتيجية ملزمة لأداء المؤسسات العامة والخاصة لمواجهة هذا الخطر".
ويؤكد أن "العاصمة بغداد وما فيها من مشاريع للصرف الصحي للمنازل والمصانع وكذلك المؤسسات الصحية التي شيدت بعد العام 2005، تصميمها قائم وفي أحسن حالاتها لاستيعاب 2.5 مليون نسمة، لكن حسب تقديرات وزارة التخطيط يسكن بغداد حاليا أكثر من 8.5 مليون نسمة، حيث يتم تصريف أكثر من 6 ملايين متر مكعب يوميا من استخدامات شبكة الصرف الصحي، وثلثي هذه الكمية تطرح في الأنهار من دون معالجة حيث تجاوزت الـ20 بالمئة من التصميم الأساس للمدينة".
ويتابع المختص في إدارة الأزمات، أن "كفاءة المشاريع ليست بمستوى يمكن الثقة بها بحكم انتشار الفساد المالي والتخبط الإداري في جميع الحكومات السابقة التي أدارت الملف البيئي، وهذا النوع من الإهمال من قبل مؤسسات الدولة خلق ثقافة اجتماعية لدى المجتمع والأفراد في استباحة البيئة وارتكاب جرائم بيئية ندفع ثمنها بارتفاع معدلات التلوث بأنواعه".
ويلفت إلى "التنامي الواضح في استباحة الأراضي الزراعية وتحويلها لمناطق سكنية أو صناعية بعشوائية، ما أدى إلى شبه اختفاء تام للمناطق الخضراء، وقلة المياه وانعدام شبكات الري الحديثة، وانحسار الزراعة، إلى جانب الشركات النفطية التي لا تتبع أي معيار، كل هذا أدى لتردي الواقع البيئي".
وبينما تتحدث وزارة البيئة عن حاجتها إلى تشريعات قانونية جديدة للحد من التلوث المتنامي، إلا أنها شخصت ثلاثة أسباب له، أولها ما يخص الهواء وتضرره من عمليات استخراج النفط بالمحافظات الجنوبية التي تؤدي لانبعاث الغازات وهو ما يستدعي توجه وزارة النفط جديا إلى استثمار الغاز المصاحب لتخفيف الأضرار البيئة.
أما السبب الآخر فيتمثل بتضخم أعداد السيارات والافتقار لوسائل النقل الجماعي، والسبب الثالث عدم التزام بعض المعامل والمصانع بالمحددات البيئية، وفقا لما سبق وأن صرح به مدير عام الدائرة الفنية بوزارة البيئة، عيسى الفياض.
ووفقا لآخر مسح عالمي أطلقته شركة IQAir السويسرية المختصة بتصنيع أجهزة تنقية الهواء العام 2023، فقد حل العراق بالمرتبة الثانية كأكثر دول العالم تلوثا حيث تدهورت جودة الهواء إلى 80.1 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما في العام 2021.
وبحسب المسح، حلت العاصمة بغداد بالمرتبة 13 بين أكثر المدن تلوثا في العالم حيث تدهورت جودة الهواء إلى 86.7 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما، كما سجلت مدينة أربيل نسبة تلوث بـ34 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب وهي بذلك تعد بتقييم المتوسط لجودة الهواء فيها.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)