تشهد الساحة الكربلائية حركة ثقافية كبيرة، من خلال استقطابها للأعمال الفنية والثقافية وانتشار المكتبات العامة والأهلية فيها، فضلا عن توسع العديد من المراكز والمؤسسات الدينية والثقافية والمكتبات العامة والأهلية التي يرتادها العديد من سكان المدينة ومن خارجها، والتي عمدت على إقامة المهرجانات والمعارض الكتابية المحلية والدولية على مدار العام، على أملِ أن تكون مدينتهم مستمرة باحتضان الإبداع الفكري والثقافي للشعوب الإنسانية المختلفة..
ويقول (فوزي الأتروشي) وكيل وزارة الثقافة، تعد \"كربلاء مدينة المسلمين والطوائف الأخرى من كل أقطاب العالم، وهي أرض العتبات المقدسة، وعلى مدى سنوات طوال كانت كربلاء حاضنة للثقافة والإبداع، وقد خرّجت الكثير من الأدباء والمفكّرين الذين رفدوا العراق والعالم بنتاجاتِهم الأدبية والفكرية\".
ويتابع الأتروشي بالقول، \"نجد إن الكربلائين بمختلف شرائحِهم يبحثون دائماً عن الكتاب المميز والعناوين التي تنمّي ثقافتهم\"، مشيراً إلى إن \"هنالك اهتماماً واسعاً بتحسين المستوى الثقافي للمدينة، من خلال نشر المكتبات التي تحتوي على أحدث الكتب العالمية وفي شتى المجالات\" مؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة \"احتضان الواقع الثقافي في كربلاء من قبل وزارة الثقافة والإعلام والمؤسسات الثقافية والفكرية لكي تبدع المدينة العريقة وتثري الأجيال المقبلة بعطائها الثقافي والإنساني\".
فيما يشير القاص والأديب (طالب عباس الظاهر) الى \" إن مفهوم الثقافة واسع جدا يهتم بجميع مرافق الحياة واستناد الثقافة في كربلاء العلِم والحضارة تستقي مناهجهُا من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) بناءً على إنسانية وعالمية هذه النهضة، فهي مدينة أثبتت وجودها الثقافي والإبداعي ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى العالم الإسلامي حيث إنها عاصمة الثقافة في العالم\"، لافتا إن \"كربلاء بدأت ببوادر الثقافة والفن والإبداع بعد سقوط نظام البعث فكانت تلك البوادر إشعاعا ثقافيا وحراكا مؤشرا بسبب الحصار الاقتصادي والعقائدي والنفسي على المدينة الذي دام لأكثر من ثلاثة عقود ونصف مما فجر في المثقف الكربلائي روح الإبداع الأدبي والفني الذي جسدَ حقيقة انطلاقة الحراك الثقافي المستتر خلف صدور مبدعيه\"..
ويبين الظاهر، أن هنالك \"العديد من المهرجانات العالمية التي تحتضنها المدينة والتي تستقطب أدباء ومفكري وكُتاب العالم العربي والغربي، كمهرجان ربيع الشهادة العالمي الذي تقيمه الأمانتان العامتان للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، إضافة الى الكثير من الأمسيات والمهرجانات الشعرية التي تقام في كربلاء بصورة مستمرة، وافتتاح مدارس الشعر الحديث والمعاصر تلتقي فيها الشرائح المثقفة الشابة \"، مشيرا الى \"إن كربلاء بدأت في الأعوام الأخيرة تسلط اهتمامها بواسطة مفكريها على الأطفال لزرع البذرات الثقافية في الصِغر رعاية منها ولادة جيل عراقي مثقف واعد\" .
الجابري: سنسعى لجعل كربلاء عاصمة لثقافة حرية العالم
من جهته يؤكد (جابر الجابري) الوكيل الأسبق لوزارة الثقافة، عن \"سعي الوزارة لأن تكون كربلاء مركزاً إسلامياً لاستقطاب عالمي وليس عاصمة للثقافة الإسلامية فحسب؛ بل لجعل كربلاء عاصمة لثقافة حرية العالم خلال السنوات المقبلة\"، مشيرا إن \"للعراق مناعة كاملة وكل الثقافات تذوب في ثقافته وتتأثر بها، فعقيدتنا وفكرنا تصهر أي فكرة أو مفهوم دخيل، ونحن كوزارة ثقافة نتقبل أي نظرية أو ثقافة واردة ولا نخشى الغزو الثقافي\" ..
وتابع الجابري، إن \"النهضة الحسينية وواقعة الطف لم تكن خاصة بفئة من البشر أو طائفة معينة، وإن الإمام الحسين (عليه السلام)خرج لإصلاح هذه الأمة من الوقوع في الهوان وأن لا تكون خانعة وراضية بالطغاة والجبابرة الذين يحكمونها، وأراداها أن تكون أمة عزيزة وصاحبة أنفة في مواجهة الطغاة، حيث أراد الحسين (عليه السلام) أن يعطي درساً ليس للمسلمين وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) فقط؛ وإنما لكل الأنامِ عندما أطلق شعاره (كونوا أحراراً في دنياكم)، فهذه الحرية التي يتوق إليها كل البشر وهم يتسابقون إلى الحصول عليها وعلى الكرامة، وقد أطلق (عليه السلام) هذا الشعار ليجمع كل العالم حوله، ومن خلال ذلك نرى انعكاس هذه الانطلاقة على المستشرقين والعالم الغربي قبل العالم الشرقي، فعندما يقول نيتشه (ما دام للمسلمين قرآن يتلى وكعبة تقصد وحسين يذكر لا يقدر أن يتولى عليهم أحد) فذلك يعني أن هذه الثقافة عالمية، وأن الإمام الحسين بتضحيته ومبادئه السامية استطاع أن يستقطب الجميع\"..
فيما يشير الإعلامي (صباح الطالقاني) في حديثه لـ (المجلة) الى ان\" الوهلة الأولى للمدينة تتمحور حول ولادة الاتجاه الفكري والثقافي للأدباءِ والمثقفين في كربلاء، والثاني يسير باتجاه الواعز الديني الذي ساعد على خلق فضاءات إبداعية آنية ومستقبلية غير مقيدّة فكرياً، بل منفتحة على الثقافات الإنسانية المختلفة، تمكنت من تحريك عجلة الثقافة والفكر وبدأت تنجب الكثير من الأدباء والمفكرين المبدعين\".
ويضيف الطالقاني قائلاً \"باتت هنالك حالة من التلاقح الفكري، وإصدارات كثيرة من الكتب والصحف المتنوعة، تديرها كوكبة كبيرة من المثقفين والإعلاميين الذين أثبتوا وجودهم على الساحة المحلية والعالمية كإصدارات تم نشرها بلغات العالم المختلفة، هذا من جهة ومن جهة أخرى هي مسألة الكم والنوع لتلك الإصدارات الإعلامية والثقافية عموما والمرئية على مستوى العراق خلال هذا العقد، ستجد إن المحافظات المقدسة ومنها كربلاء بشكل واضح قد قدمت الكثير من مشاريعها الثقافية والإعلامية والفنية ما يجعلها في الصدارة وهذا من خلال متابعة دقيقة لما هو منتج في المدينة على جميع المستويات\". واصفا إن \"هذا التغير الكمي والنوعي لإصدارات وكتب هذه المدينة خلال السنوات القليلة السابقة بالتطور الثقافي الهائل، الذي يدل على عمق الثقافة الضارب في القِدم، والذي سار بها صوب الإبداع ووضعها في طليعة مدن العراق المواكبة للتطور الثقافي\".
من جهته، يوضح الفنان التشكيلي (ثائر الكركوشي)، بأن \"معارض الكتب والفنون التشكيلية في محافظة كربلاء؛ تعكس طابعاً ثقافياً كبيراً وواضحاً للعيان، حيث تقيم المؤسسات الدينية مثل العتبتان الحسينية والعباسية معارض فكرية وفنية مثل معرض مهرجان ربيع الشهادة الدولي الذي يقام كل عام في شهر شعبان، فضلاً عن قيام بعض المؤسسات الثقافية بدعوة المكتبات ودور النشر العالمية إلى عرض النتاجات الفكرية والثقافية والتي يجد فيها القارئ الكربلائي من الأديب والمثقف والأكاديمي والباحث كل ما يحتاجه في صقل موهبته العلمية والفكرية\".
وتابع الكركوشي، \"لقد عمّت المجتمع العراقي غداة سقوط النظام الديكتاتوري، حالة حراك ونشاط (غير معهود منذ زمن طويل) نتيجة انكسار القيود التي كبلت الحياة العامة والخاصة، وانزياح شبح السلطة الشمولية الخانقة\"، مضيفا بأنه \"برز عدد الأدباء والفنانون والمثقفون عموماً بين الفئات الأكثر تجاوباً مع أفق الحرية الذي انجلى أخيرا بعد عقود من الحروب والحصار والاستبداد، فكان من المؤمل ان يتبلور في ذلك الزخم المندفع مشروع ثقافي بديل، يوازي المشروع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويحدد ملامح العراق الجديد بتراثه الإنساني الشامخ وحاضره الزاخر بالطاقات المبدعة\"
فيما يبين (جسام السِعيدي) إعلامي من العتبة العباسية المقدسة، إن \"العتبتين الحسينية والعباسية المقدستين سهمتا في البناء الثقافي للمجتمع العراقي، وعملا على تلبيةً الرغبات في الحصول على الثقافة الصافية الملتزمة، لتوفير الإنتاج الإعلامي المتميز تقنياً ومعلوماتياً، فبادرت العتبة العباسية على إنشاء مركز الكفيل للطباعة الرقمية ودار الكفيل للكتاب ومعهد الكفيل لتطوير المهارات والتكفل بمهام توفير النتاج الفكري (المقروء والمسموع والمرئي)\".
ويشير السعيدي أن \"وسائل المعرفة متعددة, فهناك من يحب أن يقرئ وآخر يحب أن يستمع أو يرى, وتراث أهل البيت (عليهم السلام) غنيٌ بالمادة الفكرية ويمتلك تراثاً ضخماً، وهذا التراث نُقل إلينا بشكل أو بآخر, وتنوعت مصادر النقل وكان من مصادرها الأساسية هي وجود العتبات المقدسة بكل ما تحتويه من غنىً روحيا ومعرفيا يكتسبه الزائر من خلال الزيارات اليومية أو المخصوصة طوال العام حينما يستذكر - من خلال نصوص الزيارات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) القيم الحقة التي استشهد من أجلها الإمام الذي يزوره، ويرسخ في نفسه تلك القيم التي تصب في تقوية دينه والتزامه بالواجبات التي أمر بها رب العالمين، فضلاً عن إن العتبات المقدسة تعتبر مكاناً لإقامة مجالس الذكر والإرشاد، وهناك حث كبير من أئمتنا (سلام الله عليهم) على الحضور في هذه المشاهد المقدسة \".
ويؤكد السعيدي، أن \"العتبتين المقدستين بمركزها الثقافية مشاريع يعوّل عليها، حتى على مستوى الطفولة حيث بادرت بأكثر من إصدار يهتم بتوجيه وتنشئة أطفالنا وفق تعاليم الإسلام وثقافة أهل البيت (عليهما السلام)\" متابعا إن \"الأمر الذي ندقق عليه جيداً هو تفجير الطاقات والقدرات الكامنة داخل الشخصية، لكي تكون أكثر كفاءة في عملها, كما أن الجهاز المتقدم علمياً في هذا الوقت والدورات المعرفية التي تستخرج طاقاته لها دور مهم في تطوير هذه المهارات، لذا حرصت الأمانة العامة للعتبتين على التكفل بإيجاد كل الوسائل التي من شأنها استخراج تلك الطاقات الكامنة، وأن كربلاء فضاء مفتوح للإبداع\"..
لعل تعدد الفنون والثقافة والآداب وسط الساحة الكربلائية، واشتغال العديد من الجهات بحسب كل نوع من العلوم والمعارف، كان لكل منها هدف سامي بحسب تقديراتهم، لكن وبشعورهم أو عدمه فإنهم عملوا على تشخيص هوية كربلاء الثقافية والمعرفية من خلال ما يبدعوه ويقدموه من أعمالٍ حاز العديد منها على جوائز عالمية، وخط أسماء أكثرهم بحروف من نور وسط مجالاتهم فضلا عن كون المدينة حاضنة لفرقد من آل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) هو مهوى الأنفس ومحط الترحال، لذا بدا واضحا سبب اهتمام إدارة العتبة المقدسة بالمشاريع الثقافية الهادفة لنشر تعاليم وفكر أهل البيت (عليهم السلام) والمساهمة في تأهيل كربلاء أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية.
تحقيق: حسين النعمة
أقرأ ايضاً
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)