حجم النص
كثيرة هي العلامات الفارقة التي اتسمت بها العملية السياسية التي تنضوي تحتها الحكومة الحالية وكثيرة ايضا هي التحديات التي واجهتها إضافة الى العراقيل التي وضعت في طريق أدائها الحكومي الطبيعية منها او "الاصطناعية" وجميع هذه العلامات تشكل أسباب ونتائج أية تداعيات وإخفاقات تشهدها البلاد وعلى جميع المستويات، مسالة تشكيل الحكومة المنتخبة وتأخرها جاءت "باكورة" هذه التداعيات التي ألقت ظلالها على مجمل الفعاليات السياسية والمجتمعية والاقتصادية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية وغيرها، ومن جهة اخرى أسست هذه المسألة لجميع التداعيات والأزمات التي شابت المشهد العراقي فيما بعدُ سيما ان الملف الامني ،على سبيل المثال، مايزال يدار بالوكالة ما يمثل بارومترا حقيقيا ومؤشرا فعالا لما يجري بسبب التجاذبات والمناكفات السياسية والتطاحن والتصارع مابين الكتل السياسية والتعامل فيما بينها بلغة الأنا وتغليب المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية العليا والنظرة الآنية المرتجلة والضيقة، وتأتي مسألة سحب الثقة عن الحكومة الحالية وهو حق دستوري نصت عليه المادة (58) من الدستور العراقي كتحصيل حاصل لمجموعة تداعيات رافقت التأسيس الدولتي مابعد تغيير 2003 ومنظومة الأخطاء التي رافقت هذا التأسيس المقصودة منها وغير المقصودة فضلا عن منظومة الأخطاء التي رافقت التأسيس الحكومي (مجلس الحكم /الحكومة الانتقالية/ الحكومة المنتخبة ) ومؤشرا على ان العملية السياسية أصبحت جزءا من منظومة المشاكل التي تعصف بالبلاد بدلا من ان تكون سببا في حلها ومؤشرا ايضا على التشتت الوطني ورخاوة بعض مفاصل العملية السياسية ومدى تأثرها بالفاعل الإقليمي الذي مايزال يمرر أجنداته السياسطائفية المؤدية في النهاية الى إرجاع العراق الى المربع الاول والعودة به الى ماقبل الصفر، وبدلا من ان تتحول مسالة سحب الثقة عن الحكومة الى ممارسة ديمقراطية كفلها الدستور وفق ضوابط قانونية معينة كما هو معمول به في اغلب الديمقراطيات العالمية العريقة فقد استحالت الى معضلة سياسية بدلا من أن تكون حلا، في وقت صار الحديث عن المؤتمر الوطني "الافتراضي" مجرد سفسطة سياسية عقيمة ومضيعة للوقت والجهد ومحاولة من بعض الأطراف لكسب الوقت لإغراض مبيتة ..
وبدلا من ان تصب التجاذبات في خدمة العملية السياسية وللصالح العام من خلال تلاقح الخبرات والأفكار والرؤى تحولت تلك التجاذبات الى اصطراع كتلوي وحزبوي ونخبوي ومناطقي واحتراب إعلامي وتراشق بالتهم و"الأدلة" النقلية والعقلية على عمالة هذا الطرف او ذاك لهذه الدولة (من دول الإطار العراقي) او تلك مع التلويح من قبل هذه الكتلة او تلك بنشر "غسيل" هذه الكتلة او تلك في ما يخص ملفات الفساد المالي والإداري ومحاولات إفشال الحكومة لغرض إسقاطها متى ما شاءوا سيما في الملف الأمني وهو الملف الأخطر في معمعة الصراعات السياسية وكأن المسألة مسألة مزاج ومصالح وليست مسألة قناعة وطنية تمثل رأي الشارع (باعتبار ان جميع الكتل منتخبة ولها امتداداتها الشوارعية والمناطقية والاثنية.) الذي لم يُؤخذ رأيه لحد الآن ولم يطلب منه أي سياسي او كتلة معينة ان يدلِ بدلوه في مسألة خطيرة وحيوية تخص المواطن البسيط وحياته ومعيشته ورزقه ورزق أطفاله وأمنه وامن أطفاله فصارت اللعبة السياسية من نصيب السياسيين فقط وفي حلبتهم ودائرتهم تدور الدوائر وتعقد الصفقات او تلغى لعقد صفقات اخرى او الانسحاب من كتل ما والانخراط في كتلة اخرى باعتبار ان لاوجود لصداقات او عداوات دائمة في عالم السياسة وان البراغماتية تقتضي التحرك باتجاهٍ ما لضمان المصالح ولكن أية مصالح !! ان كانت المصلحة الحزبوية والفئوية وحتى الشخصية صاحبة الكفة العليا في وقت تُصادر فيه رغبات وآراء الرأي العام والانسان البسيط الذي يحلم برغيف الخبز اكثر من ان يفكر بمن يكون رئيسا للحكومة ومن أية جهة كانت ويفكر اكثر بالجهات او التي تسعى الى إفشال او سحب الثقة عنه لأسباب قد تكون بعيدة كل البعد عن مصلحة البلد او حتى مصلحة ناخبي الكتل التي تسعى الى سحب الثقة التي قد تكون مقامرة غير محسوبة او محسومة النتائج في مشهد يعجُّ بالمشاكل الداخلية والخارجية ويكفي الإرث الثقيل الذي تركته الديكتاتوريات الدموية البائدة ان يجعل العراق على كف عفريت ناهيك عن المستجدات لما بعد التغيير ومشاكل الإرهاب والأقاليم والفيدراليات والمياه والتضخم وغيرها الكثير ..
ان المشاكسات والاحترابات والمناكفات والتراشقات السياسية ذات الصبغة الندية المناوئة والاتجاهات المتخندقة المتعاكسة لم تؤثر سلبا على مجمل أداء السلطات الثلاث وتطبيق آليات الدستور وتحقيق الحدود المقبولة للواقع الأمني والمعيشي
فحسب بل انها ستؤثر سلبا على المستقبل السياسي لهؤلاء الفرقاء باعتبار تغير قناعات ناخبيهم حولهم وتؤثر كتحصيل حاصل على مجمل معطيات التغيير الذي أسس للديمقراطية الحرة النزيهة..
كما ـ أي التجاذبات ـ انها تقوض البناء الدولتي الذي مايزال هشا ويتأرجح بين التقدم الى أمام او التقهقر الى المربع الاول، وتقوض ايضا البناء الحكومي الذي لم تستقر تقاليده بعد على اسس ديمقراطية ناضجة وثابتة ولامتناع اغلب الفرقاء السياسيين عن الولوج في مضمار المعارضة كممارسة ديمقراطية رصينة تشكل خطا بيانيا يتواشج مع بقية الخطوط المتشاركة في المضمار الحكومي لتوليف تشكيلة تؤدي وظائفها على أتم وجه، ولكن مازال البناء الحكومي متأرجحا مابين توليفة تحاصصية توافقية منتجة للازمات ومثيرة للنزاعات حول المصالح والنفوذ والمكاسب وبين توليفة حكومة أغلبية تضع بقية الشركاء في خانة المعارضة والمراقبة والمشاورة، وبقيت التوليفة الحكومية الحالية منذ ولادتها العسيرة ومسيرتها الشائكة وسط الأمواج العاتية والمعرقلات الكثيرة بقيت تتأرجح مابين التسقيط والإفشال المتعمد بفعل سيناريوهات داخلية وخارجية متعددة او التلويح بين الحين والآخر بسحب الثقة من دون طرح برنامج سياسي واضح المعالم او رؤية سياسية تنم عن نظرة إستراتيجية لمفاصل المشهد العراقي بعيدا عن المزاجات الحزبية وبعيدا عن شخصنة التوجه باستخدام الدستور وآلياته كشماعة لتمرير مآرب سياسية وأجندات حزبية قد تكون في المحصلة بعيدة عن الممارسات الديمقراطية التي كفلها الدستور والدخول في مهاترات سياسية وإعلامية وأوضاع متشنجة وغير مستقرة امنيا او خدماتيا ليس للمواطن البسيط منها نصيب وليس له فيها ناقة او جمل .
إعلامي وكاتب عراقي /
[email protected]
أقرأ ايضاً
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- الثقة الشعبية بالمحكمة الاتحادية العليا
- غزّة تحترق... وقلوب الحكّام العرب لا تحترق!