بقلم: إنتصار الماهود
"ربي جيرنا من الحريج والغريج، ألطف بعبادك يبو خيمة الزرگة"،هذه المقولة كانت دوما ترددها حبوبتي أم عبد حينما تسمع خبر موت أحدهم، فالحريج بلغة أهل الجنوب من مات حرقا، والغريج من مات غرقا، وكانت تعتبر هاتين الميتتين أبشع النهايات للإنسان ولا تتمناها لعدوها حتى.
رنت كلمات جدتي كجرس الإنذار في دماغي، وأنا أتابع الحوادث التي جرت في الآونة الأخيرة، وأقصد الحرائق التي نشطت بشكل مخيف في السنوات الثلاث المنصرمة، فقد حصدت مئات الأرواح، وأتت على ممتلكات عامة وخاصة تقدر بالمليارات من الدنانير، أكثر من 100 الف حريق و 800 قتيل خلال 3 سنوات فقط، حسب الإحصاءات الرسمية كان من نصيب العام 2022 حصة الأسد بأكثر من 32 ألف حريق، كوارث كبرى حدثت كان أبرزها في العام 2021، احتراق مستشفيين حكوميين مخصصين لعزل مرضى كورونا وهما (ابن الخطيب في بغداد و مستشفى الحسين في ذي قار) والتي حصدت أرواح أكثر من 180 شخصا، بسبب عدم وجود منظومة إطفاء حرائق مناسبة، أو منافذ كافية للطواريء، لم ننساها حتى جاءت فاجعة قاعة الأعراس في الحمدانية بمحافظة نينوى، والتي راح ضحيتها 93 شخص و إصابة أكثر من 300 والعدد بتزايد مستمر، بسبب خطورة الإصابات والسبب الواضح والذي تبين من خلال التسجيلات لحفل الزفاف، هو إستخدام مواد سريعة الإشتعال ومخالفة للقانون في بناء القاعة، والتي بنيت كإستثمار على أرض تابعة للدولة في عام 2017 بعد طلب أحد الشخصيات المتنفذة في الموصل لذلك، دون متابعة أو رقابة قانونية على مثل هذه المشاريع.
لقد شخصت الإحصاءات الرسمية الخاصة بالحرائق إن هنالك سببين مهمين لزيادة الحرائق وهما:
1. الأعطال الكهربائية وزيادة التحميل على بعض المحولات، مما يتسبب بإنفجار المحولة وإشتعالها وإنتقال النيران بسرعة، حيث تسبب تذبذب الكهرباء وعدم إستقرارها لوحده بأكثر من 13 ألف حريق مما شكل نسبة 47% من الحرائق لعام 2022.
2. إستخدام مواد سريعة الإشتعال والتي تعتبر مخالفة قانونا لمعايير البناء مثل (الأيكوبوند، السندويج بنل، الفلين) والتي تستخدم وبكثرة لرخص ثمنها و سهولة إستخدامها.
لقد لعب الفساد دورا مهما في تلك الحوادث الكارثية، بعضها تتحملها الجهات الحكومية والتي أهملت الجانب الرقابي الصارم وفرض العقوبات الرادعة على المخالفين لشروط السلامة العامة، حيث تم منح إجازات الإستثمار والبناء وإفتتاح المرافق الترفيهية العامة والخاصة خلافا للقانون، تفشي الرشوة في مفاصل الحكومة وغض البصر عن المخالفات الكبيرة، وغياب الرقيب، فبدلا من أداء دورها الرقابي، أصبحت بعض الجهات التنفيذية تؤمن الحماية لمراكز المساج، والنوادي الليلة وصالات القمار الغير قانونية، والتي تنشر الفساد والرذيلة في المجتمع.
من الأولى؟؟ حماية ومراقبة تلك الأماكن المشبوهة أم توفير الحماية والرقابة على الأماكن العامة والخاصة التي تخدم العائلة العراقية؟.
نحن لا نستبعد الدور الكبير الذي لعبه بعض الأفراد في هذه المصائب، فالتربح السريع والمال الحرام قد أعماهم مما جعلهم يستهينون بأرواح الناس ببناء وتشييد مولات وعمارات وأماكن ترفيهية، تفتقر لأبسط شروط السلامة، والأدهى من ذلك لايوجد من يحاسبهم ويردعهم ويقدم المقصرين للعدالة.
اسئلة مهمة:
متى يتم تنفيذ القانون العادل ضد الفاسدين الذين عاثوا الخراب في البلاد؟
متى ستحترق اذرع الفساد الممتدة في العراق؟