بقلم: علي حسين
العام 2008 قرر الحاج إبراهيم الجعفري صاحب الـ 200 كتاب وكتاب أن ينشر مذكراته التي أسماها "تجربتي في الحكم" وفيها كان شديد التواضع حين أطلق على نفسه فيها لقب "النجاشي" تشبهاً بملك الحبشة وهو "ملك لا يظلم عنده أحد"، في الوقت الذي اجتاحت العراق أخطر موجة عنف طائفي أيام تولي صاحب المذكرات رئاسة الوزراء، والناس تسأل ترى ماذا لو استمر الجعفري ليكتب لنا الجزء الثاني من مذكراته، وواصل القاء خطاباته المفعمة بغرائب القاموس السنسكريتي؟، لكننا والحمد لله لم ننتظر طويلاً فبعد أن غاب الجعفري في لندن وترك "المارد في القمقم"، خرج علينا رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني ليبشرنا بأنه قرر إصدار ديوان شعري بعنوان "نواميس الشجن"، ولا تسألني أي شجن يعاني منه المشهداني الذي أعلن ذات يوم أنه جاء لإصلاح حال هذا الشعب "الدايح".
بعدها شمر السيد عادل عبد المهدي عن ساعديه ليخرج لنا كتاباً بعنوان "الدولة العراقية" وفيه يقسم بأغلظ الأيمان أن الحكومات والأحزاب العراقية خلال 20 عاماً لم تنهب ديناراً واحداً، وأنها سعت لبناء عراق ديمقراطي قوي لولا تامر الامبريالية ومعها شباب تشرين، ويصفن قليلاً ليبشرنا أن هذه العشرين عاماً كانت البداية وأمامنا عشرون أخرى جديدة، واطمئنوا سنلحق بالصين ونتجاوز سنغافورة.
تمنيت أن يقرأ ساستنا الأكارم تجربة الرئيس الصيني دنغ كسياو بنغ، وكيف استطاع أن يحول هذا البلد الضعيف اقتصادياً في سبعينيات القرن الماضي إلى أقوى اقتصاد في العالم.
قدّم دنغ للعالم صورة مختلفة عن الجنس الأصفر وأصحاب البدلة الواحدة، أراد أن يرسل الماضي إلى النسيان، وقال لمنتقديه وهم يهاجمونه على فتح قنوات اتصال مع أميركا: إن الأنظمة التي تغلق على نفسها الأبواب تموت.
يجب أن أعترف بأنني دائماً ما أعيد على مسامعكم تجارب الشعوب، وأنسى أننا بلاد علّمنا البشرية القراءة وخطّ الحرف، أكتب عن الصين، وأعيد وأصقل بحكايات ماليزيا وزعيمها مهاتير محمد، وأنسى أن لدينا أكثر من مئة ألف مسؤول يؤدون الفرائض بانتظام وسيماء التقوى على وجوههم، هذا معيب ياسادة، ويجب أن أتوارى خجلاً لأنني أعتقد أن الكتابة في الأمور الصغيرة مثل تقارير عن اختفاء عشرات المليارات من المال العام، أهم من جلسة البرلمان التي ستعيد لنا قفشات محمود المشهداني .. صحيح أنا لا أفهم بالمسائل الكبرى التي تشغل السادة المسؤولين، مثل نظرية حصتي وحصتك، فأنا مهموم بالقضايا التي لا تشغل بال الكثير من السياسيين، مثل الذين يعيشون فقراء في أغنى بلاد في العالم. ومثل الذين لا يشبعون من سرقة المال العام، ومثل الملايين الذين يحلمون بمدن نظيفة، ومثل الشباب الحالمين بجسور للمحبة لا تقطعها خطابات طائفية.
أقرأ ايضاً
- لماذا ترتفع درجات الحرارة في العراق؟
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟