- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إِنتبهُوا.. فالنَّجف الأَشرف ليست تحتَ الطَّلب ! - الجزء الثاني والاخير
بقلم: نزار حيدر
٤/ أَنا أَعتقد أَنَّ الديمقراطيَّة في العِراق إِنتهت عندما انسحبَ الصَّدر من العمليَّة السياسيَّة، بناءً على المُعطَيات أَعلاه!.
وكما أَسلفنا فإِنَّ صَوتاً نيابيّاً واحداً يُحدِّد هويَّة الحكومة والمُعارضة، فما بالُكَ وأَنَّهُم لم يُعيرُوا أَهميَّةً لـ [٧٣] صوتاً نيابيّاً؟!.
فحتَّى لحظة إِنسحاب الصَّدر كانَ هُناكَ أَملٌ ولو ١٪ في تغيير المُعادلة بالإِعتمادِ على نتائجِ صُندوق الإِقتراع.
أَمَّا الآن وقد انهارَ الأَمل إِلى ما دونَ الصِّفر، فإِنَّ كُلَّ الحديث لا يعدُو كَونهُ مُجرَّد مَضيعةً للوَقتِ وإِنشاءٌ لا يُغيِّر من الحقيقةِ شيئاً.
للأَسف الشَّديد فلقد ضيَّع [شيعة السُّلطة] أَعظم فُرصة تاريخيَّة لترسيخِ سُلطتهِم في البلادِ من خلالِ عمليَّةٍ ديمقراطيَّةٍ مُستقِرَّةٍ يمثِّلُونَ فيها المُكوِّن الأَكبر.
إِنَّهُم نحرُوها بسكِّينِ أَنانيَّتهِم وقِصَرِ نظرهِم ونِزاعاتهِم وولاءاتهِم لـ [الغُرباء]!.
لقد إِنتهى كُلَّ شيءٍ وما بقيَ من التَّجربة هو حديثُ إِنشاءٍ وكلام جرائد كما يقولُون! وإِنَّ من المُستحيل برأيي أَن يُعيدَ هؤُلاء قاطِرة العمليَّة الديمقراطيَّة إِلى سكَّتِها الطبيعيَّة مرَّةً أُخرى.
لقد دمَّروا التَّجربة وانتهى كُلَّ شيءٍ!.
٥/ إِنَّ أَحد أَهم أَسباب إِنعدام التَّجديد والإِبداع الفكري في مُجتمعاتِنا هو التجييش المُمنهج الذي يمارسهُ التَّقليديُّون أَو الذين يتضرَّرونَ من التَّجديدِ والإِبداع، تجييشهُم للهمج الرُّعاع والإِمَّعات ضدَّ المُتنوِّرين والمُبدعين!.
إِنَّهم يتعرَّضُونَ للإِرهاب الفكري بهذهِ الطَّريقة ولذلكَ تراهُم يكتُمُونَ أَفكارهُم ولا يبوحُونَ بها، وإِذا أَعلنُوا عنها وتحدَّثوا بها فستجدهُم يتعرَّضُونَ إِلى حمَلات التَّشويه والتَّسقيط واغتيالِ الشخصيَّة!.
والأَخطر من ذلكَ عندما ينساقُ ويُجامِلُ القضاء الغَوغاء بذريعةِ حِمايةِ [المُقدَّس] المُفترض والخطُوط الحمراء ومناطِق اللَّامُفكَّر فيهِ!.
إِنَّها المُعاناة المُستمرَّة التي يتعرَّض لها المُفكِّرون التَّنويريُّون كلَّما حاولُوا التَّجديد والتَّحديث في الفكرِ والمناهِج! سواءً بالنَّقدِ البنَّاء أَو بطرحِ الأَسئلة في المناطق المُحرَّمة التي لا يجوزُ التَّفكير بها والخَوض فيها برأي السلفيِّين والتقليديِّين الذين يعتاشُونَ على الماضي فيرفضُونَ أَيَّ نوعٍ من أَنواع التَّجديد الذي يشعرُونَ أَنَّهُ يُمثِّل حُزمة الضَّوء التي تكشف العِتمة التي يعيشُونَ فيها ويعتاشُونَ منها.
هذا على صعيدِ الفِكر والثَّقافة.
ذات الأَمر فيما يتعلَّق بالسِّياسة والإِعلام، فبمُجرَّد أَن تسعى الأَقلام الحُرَّة الشَّريفة لفضحِ الفاسدينَ والفاشلينَ تراها تتعرَّض لحَملاتِ تشويهِ السُّمعة بشكلٍ واسعٍ تعتمد الكَذب والتَّضليل والطَّعن والإِتِّهامات الباطِلة!.
مجتمعاتُنا بحاجةٍ إِلى إِحترام حُريَّة التَّعبير فهو حجر الزَّاوية لكُلِّ تقدُّم وعلى مُختلفِ الأَصعدةِ.
إِنَّها بحاجةٍ ماسَّةٍ إِلى قضاءٍ يحمي حُريَّة التَّعبيرِ فلا ينساقَ وراءَ رغباتِ الهمجِ الرُّعاع الذين يجيِّشهُم السلفيُّون ضدَّ التنويريِّين كلما اصطدمُوا معهُم!.
٦/ واحدةٌ من علاماتِ الفاشلين هيَ أَنَّهم يُخيِّرُونَ أَنفُسهم بين السيِّء والأَسوء من دونِ أَن يسعَونَ يوماً لتخيير أَنفُسهِم بينَ الحَسن والأَحسن أَو على الأَقل بينَ الحَسن والسيِّء، فمثلاً؛ أَحدهُم يرُدُّ على مَن يتَّهِمهُ بأَنَّهُ ذيلٌ، قائلاً؛ أَوليسَ من الأَفضلِ أَن أَكونَ ذيلَ أَسدٍ من أَن أَكون ذيلَ خنزيرٍ؟!.
هوَ ذيلٌ وقد استسلمَ لهذهِ القسمةِ ولهذا الحظ!.
إِنَّهُ لم يخطُر ببالهِ أَو يسعى ليكُونَ رأساً! أَبداً!.
آخر يردُّ على مَن يتَّهمهُ بالفسادِ والفشل، قائلاً؛ وهل أَنا الوحيد فاسِدٌ وفاشِلٌ؟! أَلا ترى هذهِ الجَوقة من الفاسدينَ والفاشلينَ؟! لماذا أَنا فقط تجعلني في مرمى قذائفكَ؟!.
هوَ لم يخطُر ببالهِ في يومٍ من الأَيام أَن يبحثَ عن نزيهٍ ناجحٍ ليُقارنَ نفسهُ معهُ أَو ينافسهُ في هتَينِ الخِصلتَينِ!.
فضلاً عن أَنَّهُ لم يسعَ أَبداً لأَن يكونَ هوَ النَّزيه النَّاجح ليكُونَ النُّموذج الذي يُحتذى من قبلِ الآخرين!.
حتَّى الولاءات باتت في مهبِّ الرِّيح، فالمُقارنة عندهم ليسَت بين قُوَّة ولاء وآخر أَو على الأَقل بينَ الولاء الوطني والولاء للغُرباء، أَبداً، وإِنَّما المُقارنة بين ولاءٍ لغريبٍ وغريبٍ آخر، فإِذا لُمتهُ على ولائهِ لطهران مثلاً ردَّ عليكَ؛ ولماذا ولاء فُلان للرِّياض؟! وإِذا لُمتَ الآخر على ولائهِ لأَنقرة، ردَّ عليكَ؛ ولماذا ولاء عِلِّان للدَّوحة؟!.
وكأَنَّنا في سوقِ النَّخاسةِ أَو في ماراثُون!.
وقد تحدَّث [القائِد الضَّرورة] صاحب نظريَّة [بعد ما ننطيها] عن هذا السِّباق قبل أَسابيع عندما لامهُ المُذيع على ولائهِ لخارجِ الحدُودِ، قائلاً؛ إِذا تركُوها هُم فسنتركها نحنُ!.
منطقٌ أَعوجٌ لا يُدلي بهِ إِلَّا [ذَيلٌ]!.
أَكثر من هذا، فالسِّيادة الوطنيَّة هي الأُخرى ماتت في ضمائرهِم فلم يعُد أَحدٌ يتذكَّرها، بعد أَن تبدَّلت إِلى [سيادات] طائفيَّة وعنصريَّة!.
٧/ مُشكلة العراق ليسَت في تدخُّلات الغُرباء أَيّاً كانت هويَّتهُم وموقعهُم من خارطةِ العراق، وإِنَّما في طبيعةِ السَّاسةِ والقادةِ الذين يُديرُونَ البلد والعمليَّة السياسيَّة.
إِنَّهم بنَوا [دَولةً] بمُؤَسَّساتٍ ضعيفةٍ والسَّبب هو تنوُّع ولاءاتهِم إِلى خارجِ الحدُود، الأَمر الذي أَلغى الولاء الوطني عندهُم وبالتَّالي فإِنَّهم بذلكَ لا يدعُونَ الدَّولة ومُؤَسَّساتها تتبنَّى سياساتٍ وطنيَّةٍ وخاصَّةً على الصَّعيد الخارجي، لتبقى ضعيفةً أَمامَ تدخُّلات مَن يفتخرُونَ بولائهِم لهُ.
٨/ لقد ظلَّ العراق طِوال العقدَينِ الماضيَينِ ساحةَ صراعاتٍ وتصفيةَ حساباتٍ للأَزمات المُستدامة بين الدُّول الإِقليميَّة مع بعضِها وبينَها وبينَ المُجتمع الدَّولي.
ولقد حاول أَن يحمي نفسهُ من كُلِّ هذهِ الصِّراعات والأَزمات إِلَّا أَنَّهُ فشلَ بسببِ ضعفِ الجبهةِ الداخليَّة وتوزُّع ولاءات السَّاسَة، حتَّى إِذا قرَّر [الكِبار] تهدِئة هذهِ الأَزمات وإِطفاءِ نيرانها التي كانت مُشتعِلة حولَ العِراق، وتغييرِ قواعدِ الإِشتباك، يرى العراقيُّون أَنفُسهم اليَوم أَمامَ واقعٍ جديدٍ يتمنَّونَ أَن يعتمدَ سِياساتٍ جديدةٍ يستفيدَ منها كما تستفيدُ منها بقيَّة دُول المنطقة.
وعلى هذا الأَساس لعِبت بغداد دَور الوسيط في التَّهدئة، وهوَ الأَمرُ الذي لم يرُق للفصائلِ المُسلَّحةِ التي تعتاشُ على الأَزَمات فهي سوقها الرَّابحة!.