- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أكثر من تبييض السجون في البلاد
بقفلم: عصري فياض
عندما أطلقت حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) شرارة «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي، كان من أحد أسبابها ودوافعها الرئيسية الأسرى الفلسطينيين وما يتعرّضون له من ممارسات وبطش ممنهج على يد ما يُسمّى «وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي» المتطّرف إيتمار بن غفير، كون السجون والمعتقلات الإسرائيلية تخضع لإمرته وسياسته المباشرة، والتي وصلت إلى حدّ البدء في مقدّمات سنّ قانون الإعدام للأسرى الفلسطينيين، وتقديمه للكنيست لإقراره بالقراءات الثلاث تمهيداً لتطبيقه. يضاف إلى هذا السبب في هذا المجال تجاهل القيادة الحاكمة في إسرائيل الخطوات الجادة من قبل «حركة حماس» لجهة إبرام صفقة تبادل أسرى بما كان لديها من أسرى إسرائيليين، أربعة قبل السابع من الشهر الفائت، وهم الجنديان شاؤول آرون وهدار غولدن اللذان أُسرا في حرب عام 2014، وأفيرا منغستو وهشام السيد اللذان مضى على أسرهما ما يقارب التسع سنوات، وهي ربما أطول مدة يتجاهل فيها الإسرائيليّون التجاوب مع مقتضيات عمليات التبادل. لذلك كان أسر الجنود والمستوطنين إحدى نتائج عملية «طوفان الأقصى» الطبيعية، والتي جاءت بنحو 250 ضابطاً وجندياً ومستوطناً ومزدوجي الجنسية وأجانب، ضمن تلك العملية بقصد الوفاء بوعد المقاومة بتحرير الأسرى.ومنذ اللحظة الأولى لوقوع هذا العدد غير المسبوق في يد «حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية، بدأ الفرز من حيث نوعية من هم في قبضة المقاومة من عسكريين ومدنيين وأجانب، تمهيداً لتحقيق الوعد بالتحرير الكامل للأسرى والأسيرات الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال، سواء أكان ذلك على مراحل وخطوة بخطوة، أم على شكل صفقة كبرى كما أعلن عن ذلك كلٌّ من أبي عبيدة، الناطق باسم «كتائب عز الدين القسّام» عبر أحد بياناته المتلفزة وكررها أكثر من مرة، كما أعادت تأكيد الأمر قيادات سياسية في «حماس» و«الجهاد الإسلامي» منهم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة.
لكن لفت الجميع ما قاله السيد أسامة حمدان في مقابلة مع قناة «الميادين» بعيد السابع من تشرين الأول الفائت، أنّ الأمر سيكون أكثر من تبادل وتبييض سجون فقط، فماذا قصد السيد حمدان بذلك؟ وما هي الإشارات التي يمكن العمل عليها ليكون التبادل المرتقب أكثر من تبييض للسجون؟
بالتحليل، وبربط الحالات الإنسانية في مضمار النضال والمقاومة في هذا المجال، فإن الصيد أكثر من ثمين لتحقيق هدف التبييض وأكثر من التبييض. بل نستطيع القول إنه متخم، وسريع الفعالية في التأثير على إجبار المحتل على سرعة الاستجابة، بخاصة لجهة وزن الضغوطات التي يمارسها ذوو الأسرى الإسرائيليين على حكومة بنيامين نتنياهو، وهذا يفتح آفاقاً أمام قيادة «القسام» بأن لا تفرّط بما لديها من صيد ثمين إلّا بعد أن تحقق الكثير ضمن هذا الملف الإنساني بالدرجة الأولى، وبالتحليل المنطقي وضمن هذا الإطار، يمكن القول إنّ قوى المقاومة الآسرة لذلك الجمع الكبير من الإسرائيليين من جنود ومدنيين ستطالب بما يلي:
أولاً: التبييض الكامل للسجون من الأسرى الفلسطينيين والعرب، سواء أكان ذلك عبر صفقة واحدة أم على مراحل متقاربة.
ثانياً: استرداد جثامين الشهداء المحتجزة كافة، والتي قارب عددها قبل السابع من تشرين الأول الماضي الـ400 جثة شهيد فلسطيني، تضاف إليها جثامين عدد من الشهداء العرب والتي لا زالت حتى اليوم ضمن مقابر الأرقام، وتضاف إليها أيضاً جثامين الشهداء الذين ارتقوا في غلاف غزة وعلى الحدود أثناء معركة «طوفان الأقصى» المتواصلة وخلالها.
ثالثاً: المطالبة بالإفراج عن معتقلين فلسطينيين وعرب تحتجزهم الولايات المتحدة الأميركية بتهم دعم المقاومة الفلسطينية مالياً.
رابعاً: عودة أسرى محرّرين جرى إبعادهم خارج فلسطين في تركيا وقطر وأماكن أخرى، ضمن صفقة «وفاء الأحرار»، وعودة أسرى محرَّرين ضمن الصفقة ذاتها إلى بلداتهم في الضفة الغربية المحتلّة بعد أن أُجبروا على الذهاب إلى قطاع غزة.
خامساً: عودة مبعدي كنيسة المهد، الذين أُجبروا على الترحيل إلى غزة ودول أوروبية بعد حصارهم في الكنيسة في بيت لحم في نيسان حتى أوائل أيار من عام 2002.
سادساً: مطالبة فرنسا بالإفراج عن المناضل اللبناني جورج عبد الله، الذي أنهى حكمه منذ عشر سنوات بعد أن أمضى أكثر من ثلاثين عاماً في السجون الفرنسية بضغط من «إسرائيل».
سابعاً: قد تكرّر المقاومة في معرض التفاوض غير المباشر طلب إجبار الاحتلال على اعتبار الأسرى الفلسطينيين والعرب مستقبلاً أسرى حرب، ومعاملتهم وفقاً للقوانين والتشريعات الدولية ذات الصلة. وهذا الأمر كان قد طالب به خليل الوزير (أبو جهاد) في عملية التفاوض التي جرت عبر الوسطاء عندما أسرت «حركة فتح» في خريف عام 1982 ستة جنود إسرائيليين من منطقة البقاع، وأبدت «منظّمة التحرير الفلسطينية» وقتها تسليم الأسرى الستة مقابل اعتماد الأسرى الفلسطينيين والعرب كأسرى حرب، ومعاملتهم وفقاً لذلك، ولكنّ حكومة الاحتلال رفضت.
هذه المطالب التي من الممكن أن تكون ضمن مفهوم ما هو أكثر من تبييض السجون، ومن الممكن أن تكون غيرها في الإطار المهم نفسه الذي يحقّق في حال إتمامه واستكماله الصفقة الأشمل والأكبر في تاريخ عمليات التبادل بين قوى المقاومة الفلسطينية و«إسرائيل