بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
تعد السياحة ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد الوطني للدولة، كونها تحقق النمو الاقتصادي لها وتعد من مصادر الدخل القومي من خلال الحصول على العملة الأجنبية التي ينفقها السائح اثناء رحلته السياحية، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص العمل للمواطنين اضافة الى تحقيق التقارب الثقافي والاجتماعي من خلال التواصل مع ثقافات الدول الاخرى والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية، وذلك ما كان دافعا لكافة الدول على اختلاف إشكالها ومقدراتها الاقتصادية الى ايلاء الاهمية القصوى للنشاط السياحي ومن بينها العراق والذي كان يعاني من ضعف النشاط السياحي سابقا، والذي انتعشت السياحة فيه لاحقا على اثر تغيير النظام السياسي وإلغاء القيود المفروضة سابقا على ذلك النشاط.
وتعرف السياحة فقها كونها (نشاط يقوم به فرد او مجموعة من الافراد ينتج عنه انتقال من مكان لآخر او من بلد الى آخر لغرض اداء مهمة معينة او زيارة مكان معين او عدة اماكن او لغرض الترفيه وينتج عنه الاطلاع على حضارات وثقافات اخرى واضافة معلومات ومشاهدات جديدة والالتقاء بشعوب وجنسيات متعددة بشكل يمكن ان يؤثر معه تأثيرا مباشرا في الدخل القومي للدولة السياحية ويوفر فرص عمل لمواطنيها من خلال صناعات واستثمارات متعددة لخدمة النشاط السياحي ويرتقي بمستوى اداء الشعوب وثقافاتهم وينشر تأريخهم وحضاراتهم وعاداتهم وتقاليدهم)، كما عرفتها منظمة السياحة العالمية كونها ظاهرة ثقافية واجتماعية واقتصادية تتمثل بانتقال الافراد من بلدانهم الى مناطق خارج بيئتهم ومحيطهم المعتاد لأغراض شخصية او تجارية او مهنية.
والسياحة على انواع متعددة من اهمها السياحة الدينية المتمثلة بزيارة المراقد المقدسة لغرض أداء الشعائر الدينية، والسياحة التجارية القائمة على السفر بغية التجارة في بيع وشراء البضائع والسلع، والسياحة العلمية او الثقافية الهادفة الى الدراسة او حضور المؤتمرات العلمية بأنواعها المختلفة، والسياحة العلاجية لغرض المعالجة الطبية اضافة للسياحة الرياضية التي يكون الغرض منها حضور الأنشطة الرياضية على اختلاف انواعها.
ان نجاح النشاط السياحي داخل الدولة انما يعتمد بالدرجة الاولى على تحقيق الأمن السياحي المتمثل بتوفير عنصر الامان والطمأنينة للسائح من دخوله حدود الدولة لحين مغادرته لها للحفاظ على نفسه واهله وماله، اذ يتمثل الامن السياحي بالأنشطة الادارية والامنية الهادفة الى تأمين مسار النشاط السياحي في مناخ يسوده الاطمئنان للسائح من خلال توفير كافة الظروف المناسبة له وذلك كله انما يرتبط ارتباطا مباشرا بالأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجنائي للدولة.
والجرائم السياحية عموما هي كل فعل او امتناع يقع بمخالفة القوانين والأنظمة والتعليمات المنظمة للنشاط السياحي، كما أن هنالك من الجرائم المرتبطة بالسائح مباشرة كونه قد يكون مجنى عليه في بعضها، ومتهما في البعض الاخر بحيث ترتب اثارها السلبية على القطاع السياحي بمجمله، لذا فان تلك الجرائم تنقسم لعدة اقسام، فالجرائم المتعلقة بالنشاط السياحي عموما تتمثل بجرائم المنشآت السياحية والفندقية وجرائم الشركات السياحية وجرائم المرشدين السياحيين وجرائم انشاء المنشآت السياحية دون ترخيص وجرائم الاستخدام غير القانوني للمنشآت السياحية او إلحاق الضرر المادي بها او إساءة استخدام وسائل السياحة.
اما الجرائم السياحية المرتبطة بالسائح مباشرة، فهنالك من الجرائم التي يكون السائح فيها مجنى عليه ومن ذلك جرائم الإرهاب السياحي المرتكبة لغرض ارهاب السياح ومنعهم من الدخول للبلاد والاساءة لسمعتها والحاق الضرر بالاقتصاد الوطني والسرقة والاحتيال والجرائم غير الاخلاقية كالتحرش بالقول او الفعل سيما عندما يكون السائح امرأة او حدثا وكذلك جرائم الاعتداء المادي كالضرب او الجرح وغيرهما، والملاحظ عادة عدم الاخبار او اقامة الشكوى من قبل السائح بالنسبة لمثل هذا النوع من الجرائم لاسباب متعددة من اهمها الحفاظ على السمعة سيما ان كان المجنى عليه من النساء او الاحداث او كانت الجريمة مرتكبة ممن كان برفقته من اقاربه او اصدقائه او عدم المعرفة الكاملة بإجراءات إقامة الشكوى او عدم القدرة على اثبات ارتكابها وربما كان ضيق الوقت لدى السائح مقترنا باطالة اجراءات التحقيق في الجريمة او بساطة الجريمة ذاتها مانعا من الاخبار عنها، لذا يستخدم الفقه القانوني مايعرف بالرقم الغامض لمعدلات الجريمة السياحية والمراد منه عدم صحة الإحصائيات المقدمة للجرائم السياحية مقارنة عما هو مرتكب منها حقيقة وفعلا، وقد تلجأ السلطات الادارية الى عدم الافصاح عن الرقم الحقيقي للجرائم السياحية المرتكبة فعلا، بغية المحافظة على سمعة القطاع السياحي للدولة والحيلولة دون نفور السياح من الحضور اليها، بالشكل الذي قد يرتب آثاره السلبية على الاقتصاد الوطني عموما.
اما الجرائم السياحية المرتكبة من قبل السائح بصفته متهما فيها فأنها تتمثل بجرائم المتاجرة بالمخدرات او تعاطيها او المتاجرة بالآثار او سرقتها او الجرائم اللاخلاقية او الكمركية او تزوير العملة او تزييفها او المتاجرة بها او جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء او تناول المشروبات الكحولية او الحاق الضرر المادي بالمنشآت السياحية او التجسس وغيرها.
والملاحظ بان معالجة الجرائم السياحية في العراق انما يكون من خلال العديد من القوانين المنظمة لها ومن ذلك قانون المنشآت السياحية المرقم ٥٠ لسنة ١٩٦٧ والذي حدد انواع المنشآت السياحية وهي المنشآت الفندقية والدار السياحية والمحل السياحي العام والمخيم السياحي وحدد المشرع العراقي تعريفا لكل واحدة منها، وقانون هيأة السياحة المرقم ١٤ لسنة ١٩٩٦ وقانون اقامة الاجانب رقم ٧٦ لسنة ٢٠١٧ والذي شرع من اجل تشجيع الاستثمارات والسياحة وتسهيل الحصول على سمة الدخول للأجانب وإقامتهم، اضافة لقانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩، ورغم ان التشريعات المذكورة قد تكون كافية لمعالجة الجرائم السياحية بأنواعها المختلفة وفرض العقوبات المناسبة بحق مرتكبيها، الا اننا نعتقد بان سن تشريع موحد يضم بين طياته كافة المواضيع الإدارية والتنظيمية والجنائية لمعالجة النشاط السياحي في العراق قد يكون أكثر جدوى في حماية ذلك النشاط وتطويره بما يحقق الغاية منه في دعم الاقتصاد الوطني سيما ان العراق قد اصبح في السنوات الماضية من الدول الجاذبة للسياح على مختلف جنسياتهم للزيارة، اخذين بنظر الاعتبار كون صفة السائح محل اعتبار فيها.
أقرأ ايضاً
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- ماهو مصير من ارتكب هذه الجرائم النكراء في غزة ؟؟؟
- آثار الجرائم المالية والحصار على إقتصاد الدولة