أثار قرار الولايات المتحدة، بوقف استيراد النفط العراقي وتوجهها للنفط الكندي بسبب رخص ثمنه، تساؤلات حول ما اذا سيترك أثار على واردات العراق، وهو ما قلل منه مستشارون وخبراء بالنفط، حيث أكدوا عدم تأثير هذا القرار على مبيعات النفط العراقية ويمكن تعويض الكمية التي قللتها واشنطن، لكن هذا القرار أعاد الحديث عن تنويع واردات العراق بعيدا عن النفط.
وكانت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، كشفت أن الولايات المتحدة اتجهت إلى خفض استيراد النفط العراقي الثقيل واستبداله بالكندي، فيما بينت أن أمريكا كانت تستورد من البصرة 76 ألف برميل يوميا وستقلله إلى 3 آلاف فقط.
وحول هذا الأمر، يقول المستشار الحكومي مظهر محمد صالح، إن “استيرادات الولايات المتحدة ضمن أسواق الطاقة التي يتعاطى العراق معها، لا تشكل رقما كبيرا، مقارنة بأسواق آسيا التي يشكل الطلب فيها على النفط العراقي بنحو يزيد على 70 بالمئة من إجمالي صادرات النفط العراقي التي هي بنحو 3.4 مليون برميل نفط يوميا”.
ويضيف صالح، أن “الانخفاض في الطلب الأمريكي الذي بلغ 60 ألف برميل يوميا، على وفق ما هو معلن وحسب نشرات الوكالات المالية الدولية، وهو انخفاض جزئي حتى الآن عن معدلات الطلب الأمريكي والبالغة بنحو 228 ألف برميل نفط يوميا، كما يلحظ أن سياسة الطاقة الأمريكية تتجه للتعويض ببعض استيراداتها من دول أوبك بالاعتماد على النفط الكندي، وأن التخفيض الجزئي قد شمل معظم الدول المصدرة للنفط ضمن أوبك والتي تستورد منها أميركا النفط الخام حاليا”.
ويؤكد المستشار أنه “بالرغم من ذلك، فإن سياسة تسويق النفط في العراق تمتلك المرونات الكافية في تسويق حصص العراق ضمن اتفاقات أوبك +، ولا أرى شخصيا أية مخاوف من هذا التخفيض لكون الولايات المتحدة الأمريكية هي ليست شريك تجاري نفطي أساسي يعول عليه، وإنما شريك ثانوي ومن السهل تعويض الكميات التي خفضت”.
يذكر أن قرارات أوبك+، تتجه منذ أكثر من عامين نحو خفض الإنتاج، وفي حزيران يونيو الحالي، تم الاتفاق على تمديد تخفيضات الإنتاج بمقدار 3.66 مليون برميل يوميا حتى نهاية 2025، مع إعادة 2.2 مليون برميل يوميا أخرى من التخفيضات الطوعية تدريجيا ابتداء من أكتوبر من هذا العام.
ويلتزم العراق بخفض الإنتاج الطوعي للنفط، ففي العام الماضي قررت وزارة النفط خفض الإنتاج الطوعي بمعدل 211 ألف برميل يوميا، لتضيف له خفضا جديدا مع مطلع العام الحالي.
يشار إلى أن رئيس الوزراء محمد السوداني، صرّح بعد تسنمه منصبه بفترة بسيطة، بأن العراق سيجري نقاشات مع أعضاء منظمة أوبك الآخرين لإعادة النظر في حصته الإنتاجية وزيادتها، معللا ذلك بالحاجة “إلى الأموال لإعادة إعمار العراق”، فيما بين أن العراق حريص على استقرار أسعار الطاقة، ولا يريد للأسعار أن ترتفع فوق 100 دولار ولا تنخفض بالشكل الذي يؤثر على مستوى العرض والطلب.
إلى ذلك، يبين الخبير النفطي كوفند شيرواني، أنه “من الطبيعي لمستهلكي النفط أن يبحثوا دائما عن الأسعار الرخيصة، لاسيما بعد الارتفاع الكبير بالأسعار، وبالتأكيد الاسواق الامريكية بدأت تبحث عن أسعار أرخص كأن يكون الخام الكندي الذي يكون عبارة عن تقطير مواد هايدروكاروزفتية على السطح وهي كلفتها تعتبر قليلة، كما أو وصولها للأسواق الامريكية اسهل، مقارنة بالنفط العراقي الذي بات وصوله للأسواق الاوروبية والامريكية صعب بسبب عدم الاستقرار والظروف الأمنية في البحر الاحمر والهجمات المستمرة على الشحنات التجارية والنفطية التي تتجه إلى أسواق أوروبا الغربية وأمريكا”.
ويتابع شيرواني، أن “الكميات التي كانت ترسل للأسواق الامريكية ليست بالكبيرة ويمكن تعويضها بسهولة في الاسواق الآسيوية التي كانت هي دائما الأسواق المفضلة للنفط العراقي، لكن مع توقف المنفذ الشمالي عبر ميناء جيهان التركي والذي كان يعد منفذ آمن لكافة الأسواق الأوروبية وكان ممكن توسيعه من 400 ألف إلى حدود 900 ألف برميل يوميا، لولا توقفه، لكان يمكن أن يغذي الأسواق الأوروبية ويعوض النقص الناجم عن تراجع إيرادات الغاز والنفط الروسي إلى أوروبا الغربية”.
ويلفت إلى أن “الاقتصاد العراقي مشكلته أنه اقتصاد ريعي ويعتمد بنسبة كبيرة تتجاوز 93 بالمئة على النفط، وهذه نسبة عالية تعني أنه الإيرادات الأخرى لا تتجاوز 13 بالمئة، لكن الأمر الجيد أنه في قانون الموازنة ثبت سعر النفط بما يوازي 70 دولارا للبرميل، والآن يباع بما يزيد عن 80 دولارا، وهذه الـ10 دولارات على مدار عام واحد يمكن أن تشكل إيرادات تصل إلى 12 مليار دولار، بالتالي تغطي ربع العجز في الموازنة والذي هو بحدود 49-50 مليار دولار”.
ويشير الخبير النفطي، أن “الحكومة العراقية الآن تسعى إلى معالجة الخلل الكبير في هيكلية الاقتصاد والذي يعتمد على النفط عن طريق تنشيط المفاصل الاخرى كالزراعة والصناعة والتجارة والسياحة، وتطمح إلى أن يقل الاعتماد على النفط، لكن هذا يحتاج إلى خطط وبرامج ودعم القطاعات الأخرى التي تراجعت للأسف خلال السنوات الـ20 الماضية وأصبح العراق مستورد ومستهلك لأغلب السلع الغذائية والزراعية، وكذلك العديد من الصناعات حتى البسيطة منها أصبح يستوردها، وهذا الاستيراد يستنزف المليارات من مقدرات الشعب العراقي”.
وأوقفت تركيا تصدير 450 ألف برميل يومياً من إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي – التركي في 25 آذار 2023، بعدما أصدرت غرفة التجارة الدولية في باريس، حكمها لصالح بغداد في قضية تحكيم.
ويصدّر العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 85 بالمئة من نفطه الخام عبر موانئ في جنوب البلاد، لكن الطريق الشمالي عبر تركيا ما يزال يمثل نحو 0.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
من جهته، يبين الخبير النفطي عصري موسى، أن “تاثير القرار الأمريكي على الاقتصاد العراقي، بسيط جدا أو معدوم، وذلك لأن أمريكا تستورد كميات قليلة من مجموع صادرات النفط العراقي ولا توجد مشكلة لدى العراق في تخصيص هذه الكميات إلى السوق الآسيوية التي تمثل الجزء الأكبر من مجموع الصادرات”.
ويشير إلى أنه “حتى إذا انخفضت الاستيرادات الأمريكية إلى صفر، فإن 79 ألف برميل كمية قليلة من مجموع الصادرات التي تصل ثلاثة ملايين ونصف، وكما وضحت هذه الكمية يمكن بيعها إلى السوق الآسيوية، وبالتالي لا يوجد تأثير مبالغ فيه على الاقتصاد العراقي”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟