- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم السابع من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم أعني فيه على صيامه وقيامه، وجنبني فيه من هفواته وآثامه، وارزقني فيه ذكرك بدوامه).
- في الفقرة الاولى: (اللهم أعني فيه على صيامه وقيامه)، تبين أن الإنسان خلق وهو في حالة نقص وافتقار ، وهذا النقص والفقر والإحتياج هو أمر ذاتي لا ينفك عن الإنسان، وهذا الإفتقار بحاجة إلى غني كامل غير متناه في غناه وكماله وهو ذاتي لا ينفك عنه، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، فثبت أن الإنسان هو ذلك الفرد الناقص والمفتقر إلى الغني المطلق، والإعانة نوع من أنواع الرحمة الإلهية للعباد ، كما نقرأ في الدعاء: (وَالاِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ).
إذن.. العبد بحاجة إلى عون الله تعالى، وهذا ما يسمى بالعلة المحدثة، لأن أي عمل في حركة الحياة نحتاج فيها إلى أسباب موجدة لها في الحياة، والطاعات واحدة من تلك الأعمال التي يحتاج تحققها إلى الغلبة على أهواء النفس والشيطان و الغرائز الضاغطة على الانسان ، وهذه الغلبة لا يمكن تحصيلها إلا بالإستعانة بالله تعالى، قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلً). وقوله تعالى: (فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ), كم من الأشخاص الذين لديهم الرغبة في أداء الفرائض الالهية ولكن تمنعهم بعض الموانع؟، فهو يريد أن يدفع الحقوق الشرعية (الخمس) ولكن توجد موانع تمنعه من ذلك، وكذلك أداء الصيام نحتاج إلى العون والمدد الإلهي لأداء هذه الفريضة (أعنا على صيامه وقيامه)، نحتاج إلى توفيق ألله لأدائه, بما هو صوم يوصل الإنسان إلى غاية كبيرة وهي (لعلكم تتقون)، هذا هو الصوم الموصل إلى تقوى الله، وهو الذي نحتاج إلى عون الله وتوفيقه لنصل إليه، فليس كل صوم يوصلنا إلى تلك الغاية: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ).
- الفقرة الثانية: (وجنبني فيه من هفواته و آثامه)
أن نجاح أي عمل يحتاج إلى حزم وانتباه وهمة، وكما تقدم في الفقرة السابقة من الدعاء هو أن المؤمن بحاجة إلى عون الله تعالى وتوفيقه لإتيان الطاعات ومنها الصيام، ومع هذا الطرف الأول لنجاح العمل، لابد من إتيان العمل من الإنسان بأجمل صورة له وهي خلوه من الأشياء غير المناسبة له والتي تشوه صورته، والعمل العبادي تشوهه الآثام والهفوات، فلابد إذن من تجنيب أعمالنا العبادية هذين الأمرين (الهفوات و الآثام). والآثام هي الأفعال المحرمة كالكذب والغيبة.. وأما الهفوات فهي السقطات وزلات اللسان، وهنا كي نصل إلى أفضل مراتب الصيام هو (التقوى)، أن يكون الصوم لا من الطعام والشراب فقط، بل الصوم عن جميع الرذائل والمحرمات وأن يجعل الله نصب عينيه دائماً، وأن يكون شعاره ما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
- الفقرة الثالثة من الدعاء: (وارزقني فيه ذكرك بدوامه).
بعد ذلك يتعرض الدعاء الى مسألة مهمة في حياة المؤمن وهي ذكر الله عز وجل والتي ندبت إليها الآيات والروايات الشريفة، منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا). ومنها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
والذكر ليس له حد معين بل أن الذكر قد ورد في القرآن الكريم والروايات الشريفة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) على نحو الكثرة، وذلك لأن الذكر يرتبط بالمعنويات والمعنويات لا تنتهي إلى حد فكلما ازداد الإنسان ذكراً كلما ازداد معرفة، فعن النبي (صلى الله عليه وآله: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ لَكُمْ أَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَ خَيْرٍ لَكُمْ مِنَ اَلدِّينَارِ وَاَلدِّرْهَمِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَقْتُلُوهُمْ وَيَقْتُلُوكُمْ فَقَالُوا بَلَى فَقَالَ ذِكْرُ اَللَّهِ عَزَّوَجَلَّ كَثِيراً). وقد تكلمنا عن الذكر وحقيقته في موضوع الإعداد الروحي بصورة أوسع.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر