
بقلم: حسن كاظم الفتال
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾
إن من العظمة لهذا الشهر الكريم أنه قبل أن نخصص له الحديث أو نفرد له حديثا خاصا مميزا معينا نحن بني البشر فقد خصه الله سبحانه وتعالى بحديث في كتابه الكريم الذي أنزله على صدر نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وآله .ولعل الآية الكريمة ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ في سورة البقرة خير مصداق لقولنا هذا .
وهو الشهر الوحيد الذي ذكر بالقرآن الكريم بينما ذكرت الأشهر دون تسمية جميعها وبضمنها الشهر الكريم المبارك دون تسمية بقوله جل وعلا: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ ... ﴾.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: (شهر رمضان لا يشبهه شيءٌ من الشهور ، له حق وحرمة أَكْثِر من الصلاة فيه ما استطعت).
وهو الشهر الذي تميز حتى بالتسمية وقد روى عنه الأئمة الأطهار عليهم السلام . حيث جاء عن هشام بن سالم عن سعدٍ عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(كُنَّا عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ ، فَذَكَرْنَا رَمَضَانَ .فَقَالَ : لَا تَقُولُوا هَذَا رَمَضَانُ ، وَلَا ذَهَبَ رَمَضَانُ ، وَلَا جَاءَ رَمَضَانُ ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا يَجِيءُ وَ لَا يَذْهَبُ ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ وَيَذْهَبُ الزَّائِلُ ، وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ ، فَإِنَّ الشَّهْرَ مُضَافٌ إِلَى الِاسْمِ ، وَالِاسْمُ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ جَعَلَهُ مَثَلًا وَعِيداً )
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : (لا تقولوا رمضان ، ولكن قولوا شهر رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان).
تمايزية استقبال الشهر
ما أن يحلَ شهر رمضان المبارك حتى تبدأَ الألسن تلهج جميعا بإطلاق أو بترديد العبارات التي تُلمِّحُ إلى استعدادنا التام لاستقبال الشهر الكريم والالتزام المطلق بجوهر مفاهيمه العبادية والتربوية. وينهال فيض من المزاعم لإعلان الجاهزية لاكتساب الدروس الأخلاقية والنفسية والروحية العميقة .وذلك من خلال زعمنا بالالتزام التام بتطبيق ما يستوجب تطبيقه من أوامر أو موجبات لأحكام شرعية التي تتعلق بمرور الشهر وحرمته وقداسته.
إن من المبهج للنفس أو ما هو جميل وعظيم أن يكون كل ذلك منبعثا من عمق الصدق والمصداقية ومنطلقا من حسن النوايا الصادقة والصفاء والخلوص التام ويتمحور بمحور التجرد من متبنيات الرياء أو المحاباة أو غير ذلك.
هذه الظاهرة إن صح التعبير عنها بهذه التسمية فهي ظاهرة صحية سليمة تشير إلى عظمة توازن الفرد واستجابته الإيمانية لطاعة الله عز وجل وتطبيق أحكام الشريعة تطبيقا حرفيا حقيقا فعليا صحيحا.
إنما حين يكون ذلك لا يتعدى كونه إطلاق عبارات مزوقة منمقة دون تطبيق واقعي المراد منه التمويه أو تمرير مآرب معينة فذلك ما يسجل علامة معتمة غير واضحة القراءة مجردة من أي توهج فكري حقيقي أو بعيدة عن المصداقية هذا ما يستحق التشبيه بخضراء الدمن: أي الوجه الحسن في منبت السوء.
وهذه الظاهرة تؤدي إلى تعطيل عملية الفرز أو تحديد الفيصل بين الصدق المطلق وبين ما هو غير ذلك أو التباين بين السر والعلن ويجعل عملية التعرف على ما هو صائب أو غير ذلك عملية صعبة إذ أنها تكمن داخل النفوس.
بيان الإلتزام يستدعي إظهار برهان ودليل قاطع يثبت الحقيقة ويبرز الوجه الناصع لها من خلال الممارسة الفعلية للتطبيقات التي يستدعي مرور الشهر الكريم تطبيقها.
إن من فضل الله على الإنسان أن يكون الاستعداد لهذا الشهر الفضيل يختلف تماما عن كل الإستعدادات للأشهر الأخرى وهذا لا يقتصر على فئة أو طبقة أو مجتمع معين بل يشمل كل البلاد الإسلامية بغض النظر عن الاعتقادات وسلامتها والإختلافات والتباين بين مجتمع وآخر وموطن وآخر.
أوان الرياضة الروحية والذهنية
شهر رمضان فرصة لترويض النفس الأمارة بالسوء فرصة لمراجعة النفس ولتهذيبها فرصة لإختبار الإرادة والعزيمة وفرصة أيضا لدخول معترك مع الملذات والشهوات والإنتصار على كل شر وعلى مقاومة ابليس وهوى النفس ومغريات الدنيا ومن كل الأعداء التي تودي بالمرء إلى الهلاك وكما يقول الشاعر:
(إبليس والدنيا ونفسي والهوى ** كيف الخلاص وكلهم أعدائي)
يؤدب الإنسان نفسه بنفسه عن طريق حرمانها من الكثير مما تشتهي بالجوع وربما لا يحق للإنسان أن يحرم نفسه من نعم أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليه فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه ويريده أن يعيش كريما منعما بكل نعم الحياة ولا يحرم نفسه من أية نعمة من تلك النعم إلا في هذا الشهر الكريم الذي يكون فيه الحرمان من الأكل والشرب طاعة لله استجابة لدعوى الله.
ولإن كان هذا الحرمان من الملذات المشروعة ظاهره العذاب فإن باطنه الرحمة والخير والبركة فهو من شفقة الله على الإنسان بإدخاله مدرسة الصبر وتعلمه التحمل ومقارعة المشاق خصوصا حين يكون ذلك نابع من خشوع الإنسان لله الواحد القهار.
وهذا ما يدعو لأن يكون الجميع في منظار واحد ويُنظَر إليهم أيضا بمنظار واحد إذ يَنظرُ الإنسانُ لأخيه الإنسان نظرة واحدة إذ لا فرق بين شخص وآخر هذا جائع محروم وذاك كذلك ولا يُعرف ُ من هو المترف ومن هو المعدوم فهما متساويان في كفة العبادة وفي طاعة الله وحين تسقط الفوارق ويتساوى الأفراد يسقط التباغض والحسد ويزداد التقارب والتوادد والمحبة في الله.
وحين يكون ذلك سيكون الجميع في عين الله وفي طاعة الله وفي رضا الله ومن رضي عنه الله لا يخشى الوقوع في منزلقات المهالك.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا أقرب للصدق في إطلاق العبارات أو ما يسميه البعض شعارات ونبرهن على ذلك بالتطبيق الفعلي الصحيح.
أقرأ ايضاً
- البرامج الرمضانيَّة وإثارة الكراهية والأحقاد
- صحة الفم و الأسنان في رمضان
- قفزة بالزانة! في موعد إفطار المسلمين في رمضان!