بقلم: رعد اطياف
ثمّة مقولة تتردد بين الأوساط الشعبية، ووجَدَت لها جمهوراً لا يُستهان به في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي مقولة «الحل من الداخل». وهي فكرة، رغم الإغراء الذي تقدمه، عند تحليلها وغربلتها، لا تعدو أن تكون في عداد الأفكار التبسيطية.
لأنها لا تراعي شروط السياق العالمي ومنطق الأحداث وفكرة الاستقطاب الإقليمي والهيمنة العالمية ووضع العراق كمنطقة نفوذ أميركية. ولهذه الفكرة تطبيقات عملية في وضعنا السياسي؛ إذ سنجد القوى الإقليمية والعالمية حاضرة في المشهد السياسي العراقي، لا بصفتها قوىً محايدة وإنما بصفتها قوىً مهيمنة ولاعبة أساسية في السياسة الداخلية.
لأجل هذا وغيره يصعب على المرء تخيل فكرة الحل الداخلي. ما أعنيه بالضبط أن النخب السياسية العراقية لم تبرهن، حتى كتابة هذه السطور، عن حرفيتها في إدارة مؤسسات الدولة. لقد دلتنا التجربة العراقية على شيء مهم للغاية، وهو إن كان ثمة خلل بنيوي في الوضع العراقي فهو خلل سياسي قبل كل شيء، خلل يؤشر لنا فجوة عميقة اسمها غياب أو ضعف الكفاءات السياسية والإدارية في العراق. فبالتالي إن لم يحسم القائمون على الأمر هذه الإشكالية عبر الاستعانة بالخبرات الخارجية فستبقى فكرة «الحل من الداخل» عصية على التصديق. أنها فكرة تستفز مخيلتنا وتحتاج إلى قرائن عدة لتدخل حيّز النقاش على الأقل.
لذلك، لا أظن الحلول الداخلية يمكنها أن تحسم الموقف. على سبيل المثال، أن الصراع مع الصدريين وخصومهم سيطول، هذا أمر مرجّح تدعمه الوقائع السياسية البالغة التعقيد في العراق. وهو صراع سيكون مهلكاً بالتأكيد حتى وإن كان صراعاً بطيئاً وناعماً.
وفي الحالتين سيدخل البلد في دوامة الموازنات الإقليمية والدولية. والرابح بكرسي السلطة من يقبل الشروط والإملاءات، أي الضغوط الإقليمية والدولية وبخلافه ربما ندفع ثمنا مضاعفا.
إن البعد العقائدي سيكون مهماً لإذكاء جذوة الصراع وإعادة التنظيم وتعميق الحس الوجداني، لكنه لا يسهم في بناء الدولة وإعادة الاعتبار لهياكلها الإدارية والقانونية. كل الأطراف السياسية قاطبة، شيعية كانت أم سنية، دينية كانت أم دنيوية، تعاني من قلّة الخبرة وضعف الكفاءات الإدارية التي تضطلع بمهام مؤسساتية مهمة لإدارة الدولة. فإن بقي الصراع يدور في فلك السلطة فحسب دون الأخذ بنظر الاعتبار بناء مؤسسات الدولة وتحديد هويتها، فإن القادم يخبرنا بالفوضى حتماً.
أضف إلى ذلك، أن السياسة في ضمير معظم العراقيين على اختلاف توجهاتهم، لا تعدو أن تكون صراعاً عشائرياً، تتقاذفه الانطباعات النفسية والارتجالات الشخصية. وكالمعتاد لا أظن أحداً سيستجيب ويأخذ العبرة من ماضينا السياسي.
أقرأ ايضاً
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- أكثر من تبييض السجون في البلاد
- الاسوء على المركز والأكثر نفعا للإقليم.. ملاحظات حول الموازنة العامة الاتحادية – الجزء الرابع