- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
آخر نسخة من "طالبان" قد تكون أكثر وحشية !
بقلم: بورزو درغاهي - صحفي مختص في الشؤون الدولية
كانت معركةً شرسة استمرت لساعتين، لكن القوات الحكومية الأفغانية في مقاطعة فارياب الشمالية استجابت في النهاية لدعوات "طالبان" للاستسلام، وظهر عناصرها رافعين أيديهم في الهواء. لكن مقاتلي "طالبان" الذين أسروهم لم يكونوا في مزاج إظهار الرحمة، فسارعوا لإطلاق النار عليهم وقتلوا عشرين شخصاً. وقع الحادث في يونيو (حزيران) الماضي وتم تصويره بالفيديو، ووصفه باحث في منظمة العفو الدولية بأنه "قتل بدم بارد" لمقاتلين عُزل.
جادل المدافعون عن "طالبان" ومحاوروهم وحتى ممثلوهم على مدى سنوات بأن نسخة جديدة ومحسنة من شبكة الجماعات تختلف عن أسلافها العنيفين الذين أرهبوا الأمة وذبحوا الأقليات الدينية وحولوا النساء إلى شبه عبيد، ودمروا الآثار القديمة وآووا تنظيم "القاعدة" خلال حكمهم بين 1996 و2001. قالوا إن هذه النسخة من "طالبان" مستعدة لتقاسم السلطة مع القوى السياسية الأفغانية الأخرى، وتعيين أفراد من الأقلية الشيعية في البلاد في مناصب قيادية والالتزام بالمعايير الدولية.
لكن يبدو أن ذلك كان مجرد أمنيات جامحة [تقديم الأماني على الواقع]، حيث بدأت تظهر بالفعل رؤية قبيحة لمستقبل أفغانستان تحت حكم "طالبان". ولقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" حديثاً أن الأفغان اليائسين يتدفقون على كابول من المناطق التي غزتها "طالبان" حديثاً ويتحدثون عن مذابح ضد المدنيين وإعدامات ميدانية للجنود الأسرى، ومطالب بتسليم النساء غير المتزوجات إلى مقاتليهم كغنائم حرب.
نعم، على الولايات المتحدة والغرب أن يضعوا حداً لحروبهم المتواصلة في غزوهم الإمبراطوري. لكن من غير المعقول أن يرمي المجتمع الدولي 38 مليون أفغاني إلى ذئاب وحشية ويهدر الإنجازات الاجتماعية والتعليمية التي حُققت بشق الأنفس، والتي اكتسبتها النساء والأقليات على مدى العقدين الماضيين. كما أنه من التهور تصديق حركة "طالبان" القاتلة عندما تقول بأنها لن تسمح بأن تصبح البلاد ملاذاً للإرهابيين العابرين للحدود. لذا، يحتاج العالم إلى التركيز على أفغانستان والتركيز عليه الآن، قبل فوات الأوان.
تقول الولايات المتحدة إنها، بعد إنفاق 2.2 تريليون دولار وفقدان ما يقرب من 2500 جندي، فعلت كل ما في وسعها في أفغانستان على مدار العشرين عاماً الماضية وأن استمرار وجودها في البلاد سيكون بمثابة حماقة. لكن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية خاصة عما حدث في أفغانستان خلال الـ 42 سنة الماضية. لا يمكنها الانسحاب ببساطة.
الخروج من أفغانستان. لكن هل كانت القوات الأميركية حقاً تحتاج إلى تسليم "طالبان" انتصاراً دعائياً على طبق ذهب من خلال مغادرة أكبر قاعدة جوية في البلاد في جوف الليل، من دون حتى إقامة حفل تسليم لائق لزملائهم الأفغان؟
يعزو الكثيرون التقدم السريع لـ"طالبان" إلى ضعف وفساد الحكومة في عهد الرئيس أشرف غني. ولكن هناك أيضاً حجة تقول إن الولايات المتحدة هي التي قوضت غني بشدة عندما وافقت إدارة دونالد ترمب في عام 2020 على إجراء محادثات مع "طالبان" واستبعدت إدارة غني - ما يؤكد بشكل فعال دعاية "طالبان" بأن السياسيين في كابول لم يكونوا أكثر من مجرد دمى في أيدي واشنطن. وهذا الأسبوع ذهبت افتتاحية "ذي دايلي أفغانستان"، الصادرة في كابول، إلى "أن الحكومة الأفغانية قُوضت، وهُمشت واستُبعدت من عملية السلام".
عانت الولايات المتحدة أيضاً من بعض الإخفاقات الاستخباراتية الكبرى. ويبدو أنها كانت مقتنعة بخطابها بأنه لا يوجد "حل عسكري" للنزاع في أفغانستان وأن على "طالبان" في مرحلة ما التوصل لتسوية سياسية مع حكومة كابول. الآن، لا بد أنه من الواضح أن "طالبان" كانت تخطط لهذا الهجوم منذ أشهر إن لم يكن منذ سنوات، وأنها كانت تتحين الفرص لاقتناص اللحظة المناسبة لفرض نفسها على البلاد.
جادل أولئك الذين دافعوا بحماسة عن انسحاب القوات الدولية من أفغانستان بأنه سواء غادرت الولايات المتحدة الآن أو بعد 10 سنوات، فإن النتيجة كانت ستكون هي نفسها. لكن ليست هذه هي المسألة، لأنه ربما كانت النتيجة ستكون هي نفسها لو حدث الانسحاب قبل 10 أو 15 عاماً أيضاً. وإذا كان الاحتفاظ بقوة من بضعة آلاف من القوات الدولية في البلاد سيمنع الكارثة التي تتكشف الآن، فربما كان الأمر يستحق عناء ذلك، حتى من أجل المدنيين الأفغان.
قد تتصدر الضربات الجوية الأميركية الشاذة التي تقتل مدنيين عناوين الصحف وتثير حفيظة من يصفون أنفسهم بأنهم "معادون للإمبريالية". لكن إحصاءات الأمم المتحدة أظهرت مراراً وتكراراً أن أكثر من 90 في المئة من المدنيين الأفغان قتلوا على يد "طالبان" أو القوات الحكومية أو في تبادل لإطلاق النار بين الطرفين. تظهر أحدث أرقام الأمم المتحدة أن أعداد القتلى والجرحى المدنيين قد ارتفعت مع اندفاع "طالبان" نحو السلطة. على الرغم من أن الوضع في أفغانستان كان سيئاً مع المرابطة الأميركية، فقد يتفاقم الوضع في غيابها.
بينما تستعد قوات "طالبان" لفرض سيطرتها الكاملة على البلاد، يجب إيلاء الأولوية لخططها ورؤيتها لأفغانستان. في هذا الصدد، أخبرني أحمد والي مسعود، رئيس مؤسسة أحمد شاه مسعود، في مقابلة، بأن الشكل الأخير الذي اتخذته "طالبان" قد يكون أكثر وحشية ومنعدم الضمير من عصابات الطلاب المتدينين الذين سيطروا على فصائل المجاهدين المتناحرة والتي كانت تعبث بالبلد، وأرست دكتاتورية في منتصف التسعينيات.
وأضاف والي مسعود قائلاً "كان أعضاء طالبان التسعينيات متدينين للغاية ومحنكين ولم يحتضنوا أياً كان. لكن هؤلاء يقبلون أي شخص يقاتل إلى جانبهم في سعيهم للوصول إلى السلطة. هناك عناصر إجرامية. هناك أجانب. لقد ارتكبوا بالفعل العديد من الجرائم. إنهم أسوأ من طالبان الماضي".
في التسعينيات، كسبت حركة "طالبان" حلفاء دوليين وقلوباً وعقولاً محلية بقدرتها على تطبيق القانون وفرض النظام. لكن هذه المرة، باتت هي التي تهدد القانون والنظام في أفغانستان.