د. ابراهيم الجعفري
ليس من السهل تصوّر إنسانٍ ما وهو اعتيادي من دون قيم رغم تعددها واختلاف جذورها ومفاهيمها لأنها تشكل مكوناً أخلاقياً ثابتاً بوجدانه مع الاختلاف الكبير في الاتجاهات الاخلاقية من مجتمع لآخر فقد يغلب الثأر والانتقام قيمياً في مجتمع ما فيما يتقدم الإيثار والتضحية من أجل الاخر في مجتمع ثانٍ وقد تغلب على وسط اجتماعي معيّن روحية البذل والكرم فيما تتفشى عُقَدُ البخل والشعور بالغلبة في وسط مجتمع آخر!! وفي كل الحالات لا يمكن تصور إنسانٍ من دون قيم فهو في أدائه وفي الظروف الصعبة تحركه القيم تارةً وتمنعه ذات القيم من الإقدام على عملٍ مضرٍّ تارة أخرى؛ لقد بدت على السطح مؤخراً بوادر محاربة القيم الحقة وتقديم قيمٍ بديلة وهي مقلوبة عمّا انطوت عليه فطرته السليمة وما أودعها الله تعالى فيه بالتكوين من حبٍّ للخير ورفضٍ لكل انواع الشرور "فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيها لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ"
أنّ ظاهرةً شاذّةً كهذه تموت فيها قيم الحق وتستبدل بقيمٍ مقلوبة يتقدم فيها الفاسد على الصالح والمضر على النافع وتتحول الى ثقافة في أسواق الاعلام الاستهلاكية يصلح ان نسميها ظاهرة "يتامى القيم" لان أصحابها يفتقدون الى ابسط انواع الأخلاق والإنسان بلا قيم كالطفل "اليتيم" بلا والد أو الطفل "اللطيم" بلا والدين!!..
ليس من السهل تصوّر إنسانٍ ما وهو
اعتيادي من دون قيم رغم تعددها واختلاف مفاهيمها لكنها تشكل مكوناً أخلاقياً ثابتاً بوجدانه حتى مع الاختلاف الكبير في الاتجاهات الاخلاقية من مجتمع لآخر!!.. وفي كل الحالات لا يمكن عادةً تصور إنسانٍ من دون قيم فهو في أدائه وفي الظروف الصعبة تحركه القيم تارةً وتمنعه ذات القيم من الإقدام على عمل آخر مضر تارة أخرى..
لم تخلو مجتمعات العالم وفي مختلف مراحل التاريخ من "ظاهرة اليتم" خصوصاً في أجواء الحروب لكن الأيتام ليسو بالضرورة من أضعف شرائح
المجتمع في بنيتهم الشخصية وما ينعكس منهم من سلوك..
فالكثير من مشاهير العالم تعرّضوا لليتم دون ان يقعوا فريسة الفقر والفشل والفساد بل شقّوا طريقهم للنجاح واحتلّوا مواقع الصدارة في مجتمعاتهم بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والسياسية وما قاموا به من ممارسات.. فمن نماذج الأيتام في التاريخ: الشاعر أبو الطيب المتنبي والشاعر حافظ إبراهيم وجورج واشنطن والفنان
ليوناردو دافينشي وحكيم الصين الشهير كونفوشيوس والرئيس الاميركي أبراهام لينكولن وأدولف هتلرو ولينين وجوزيف ستالين وجمال عبد الناصر والمهاتما غاندي ونلسون مانديلا ومصطفى كمال أتاتورك.. والكثير الكثير غيرهم وهم بما يتمتعون به من مواهب تقاسمتهم اتجاهات الخير والبناء أو الشر والهدم وإشعال الحروب لكن المؤكد ان اليتم بحد ذاته لا يشكل -غالباً- عائقاً دون ارتقائهم الى أعلى المراتب في سلّم المسؤولية.. غير أنّ ظاهرة "يُتم القيم" تنطوي على مخاطر كثيرة وبالغة التأثير في تحطيم البنية الاجتماعية في البلد الذي تتواجد فيه..
معشر اليتامى يغلب عليهم القدرة على الانتاج وعادة ما يكون بنّاءً خصوصاً اذا ما احتضنته بيئةٌ عائلية صالحة أو اجتماعية صالحة.. أما يُتم القيم فهو ما يؤدي بأصحابه الى أحطِّ مستوى من السلوك والممارسة!!.. خصوصاً حين تكون القيم ثقافة تمتد الى قطاعات واسعة في المجتمع وتتجذر في نفوس ذوي العاهات ممن استبد بهم اليأس من الرجوع أصل فطرتهم والتخلي عمّا علق بها من شوائب الانحراف كما سجّل بعض هؤلاء انعطافات حادة وانتصارات باهرة بين ما كانوا عليه سابقاً وما انتهوا اليه لاحقاً.. }
أقرأ ايضاً
- الإعداد الروحي.. القيم الروحية بين العروج والهبوطـ - الجزء العاشر
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء العشرون والاخير
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء التاسع عشر