- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء الثالث عشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
تدمير العراق وعقيدة الصدمة
أشار كتاب عقيدة الصدمة الى انه في ظل الظروف الصعبة والكوارث والحروب والازمات يقوم أصحاب الأعمال الخاصة والمستثمرين والشركات الكبرى بعرض خدماتهم لانجاز اعمال بناء البنية التحتية المدمرة وخصخصة المرافق الحكومية والعامة وعن طريق ذلك يتم كسب الاموال الطائلة المخصصة للاعمار والبناء وتحويل عملية اعادة الاعمار الى استثمارات تجارية خاصة مربحة وهذا ما حصل فعلا بعد اعصار (كاترينا) في نيو أورلينز في أمريكا فقد كانت فرصة سانحة لتطبيق هذه السياسة الاقتصادية والاجتماعية. حيث كتب (فريدمان) بعد اعصار كاترينا مقالة افتتاحية في صحيفة (وول ستريت) ذكر فيها ( باتت معظم مدارس نيو أورلينز حطاماً تماما كما هي حال منازل الأطفال الذين كانوا يقصدونها. هذه مأساة لكنها أيضا فرصة تتيح لنا اجراء إصلاحات جذرية في نظام التعليم).
وكان (فريدمان) يقصد أن تستغل الدولة فرصة انهيار المدارس العمومية لتتوقف عن دعم التعليم الرسمي وتترك الفرصة أمام التعليم الخاص وبناء مؤسسات تعليمية ذات أهداف ربحية. وهذا ما تم تطبيقه على أرض الواقع, ففي فترة ما قبل إعصار نيو أورلينز كانت أغلب المدارس عمومية وكان المستثمرون يفشلون كلما حاولوا جعلها تدخل ضمن القطاع الخاص ولكن بعد إعصار كاترينا كانت الفرصة سانحة للشركات الاستثمارية. فقبل عودة الناس إلى منازلهم كان قد تم خصخصة أغلب المدارس. فكان هنالك قبل الإعصار (123) مدرسة عمومية اما بعد الاعصار فلم يبقى منها غير (4) والباقي تمت خصخصتها كما لم يكن هنالك في المدينة سوى سبع مدارس مستقلة اصبحت بعد الكارثة (31) مدرسة. اضافة الى ذلك فقد خسر اساتذة المدارس الحكومية وظائفهم وتحولت الاموال المخصصة أساسا لضحايا الكارثة والفيضانات الى عملية لهدم ركائز نظام التعليم الحكومي واستبداله بنظام التعليم الخاص.
وهنالك أمثلة اخرى لعقيدة الصدمة تم تطبيقها خارج أمريكا, حيث مهدت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 و1998 الطريق أمام صندوق النقد الدولي لفرض برامجه الخاصة بالمنطقة وبيع شركات حكومية لبنوك أجنبية وشركات متعددة الجنسيات. أما في العراق فقد سمح القرار رقم (39) الذي أصدره الحاكم للعراق (بول بريمر) بعد غزو العراق عام 2003 من قبل أمريكا (بخصخصة المؤسسات العراقية المئتين التابعة للدولة, وبحق التملك الاجنبي الكامل للأصول العراقية مع تحويلات مطلقة معفاة من الضرائب على كل الارباح وغيرها من الاموال وتراخيص ملكية مدتها اربعون سنة) حسب مؤلفوا كتاب (محو العراق) الذي اشير له سابقا.
وأشار (فريدمان) على (بينوشيه), الدكتاتور الشيلي, بفرض تحول اقتصادي سريع الخطوات يتضمن: رفع الضرائب، تحرير التجارة، خصخصة الخدمات، خفض الإنفاق الاجتماعي وتحرير الاقتصاد من الرقابة. وترى الصحفية الكندية (نعومي كلاين) ان ما طبق في العراق كان اعنف وأشد بكثير مما طبق في تشيلي تحت واجهة اعادة الاعمار. ففي البداية جاءت الحرب التي صممها اصحاب عقيدة الصدمة والترهيب العسكري بحيث تعمل على (التحكم في ارادة العدو وبصيرته وادراكه فتجعله عاجزا بكل معنى الكلمة على الفعل ورد الفعل). وجاءت بعد ذلك المعالجة الجذرية بالصدمة الاقتصادية التي تم فرضها بينما كان البلد لا يزال تحت لهيب النار والدمار والانفجارات من قبل كبير مبعوثي أمريكا وحاكم العراق, (بول بريمر), بحيث شملت (خصخصة شاملة, تجارة كاملة الحرية وضريبة ثابتة بنسبة (15%), تقليص كبير لدور الحكومة والوقف الحاد للانفاق في المجال الاجتماعي, تدمير البنى التحتية واللامبالاة مقابل نهب ثقافة البلد وتاريخه). وأشارت (كلاين) في مكان آخر (يبدوا ان الحادي عشر من ايلول 2001 منح واشنطن الضوء الاخضر كي تتوقف عن سؤال الدول فيما اذا كانت راغبة في النسخة الامريكية للـ (التجارة الحرة والديمقراطية) أم لا فهي تباشر بفرضها بقوة الصدمة والترهيب العسكري).
ويكشف كتاب عقيدة الصدمة بالوثائق والأدلة عن النيات المبيتة لما يجري في العالم من غزو خارجي وانقلابات عسكرية ومجازر بشعة تقوم بها الدول الغربية واعتبار هذه الكوارث الانسانية كفرص تجارية استثمارية مربحة تمهيدا لادخال الدول التي تتعرض لها وشعوبها في اقتصاد السوق الحرة عنوة.
والسؤال المطروح هنا, هل حققت أمريكا ما ارادته من عقيدة الصدمة في العراق أم فشلت في تحقيق ذلك ؟ وهل تم تطبيق عقيدة الصدمة بشكل جزئي أم ان التطبيق ما زال مستمرا على قدم وساق ؟ وهل ان ما يشهده العراق من تدهور, في الجوانب الاجتماعية والثقافية والعلمية والصحية والاقتصادية والصناعية والزراعية وتدهور البنية التحتية وازدياد دخول شركات الاستثمارات الاجنبية في مجال البريد والاتصالات وانتشار المدارس والجامعات والمستشفيات والمصارف الاهلية والخاصة والبدء بخجل في مجال خصخصة الكهرباء والنقل وربما قريبا في مجال مياه الاسالة والشرب وفتح المجال امام الاستثمارات الاجنبية في مجال الطاقة والبناء والزراعة وضعف أداء القطاع الحكومي وتخليه شيئا فشيئا عن النموذج القائم على قيام الدولة بتنظيم وادارة الحياة الاقتصادية والخدمية بما يخدم المواطن والتنمية الوطنية, فهل جاء كل ذلك نتيجة حتمية تاريخية طبيعية وعفوية ام انها كانت مصطنعة ومخطط لها ناتجة عن تطبيق خطة مدروسة بنيت على اساس عقيدة الصدمة, هذه العقيدة الاقتصادية الاجتماعية المدمرة للشعوب والدول ؟؟؟.
وأخيرا, يقول (جون بيركنز) الخبير الاقتصادي الدولي الذي عمل لمدة تسعة سنوات في شركات استشارية مالية دولية تعرف من خلالها على العالم الخفي والفظيع وعديم الرحمة والضمير للمؤسسات المالية الدولية وطرق استغلالها للدول الفقيرة في كتابه (اعترافات قرصان اقتصادي) (ان من يسيطر اليوم على العراق يمتلك مفاتيح السيطرة على الشرق الاوسط).
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟