- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء الخامس عشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
ج- الأمم المتحدة والغرب وازدواجية المعايير
إن إصدار وتطبيق قرارات مجلس الأمن الصادرة بحق العراق بعد دخوله للكويت كانت سريعة جدا وهي أسرع قرارات تم إصدارها وتطبيقها وتنفيذها من قبل الأمم المتحدة في تاريخها الطويل حيث شنت الحرب على العراق بعد حوالي ستة اشهر من دخوله للكويت وهي الفترة التي كانت ضرورية لاكمال الاستعدادات العسكرية الغربية واقناع بعض الدول العربية للمشاركة في الحرب على العراق.
وأدت قرارات مجلس الامن الى احتلال العراق عام 2003 وقتل شعبه وتدمير بنيته الاجتماعية والاقتصادية والصحية والصناعية والزراعية والعلمية والفكرية والاخلاقية. وأشارت صحيفة (لوس انجلس تايمز) في تقرير نشرته في 19/12/2021 الى ان من أكبر المشاكل التي تواجه الاجيال الجديدة في العراق هي (فقدان الامل بوجود حياة طبيعية يمكن للشباب ممارستها داخل العراق نتيجة للدمار الكبير الذي خلفته أمريكا في البلاد). ولم يتم محاسبة أي مسؤول سياسي أو عسكري أمريكي أو غربي لغاية الآن عن هذا الدمار الكبير الذي تسببوا به.
وخلال حفل نظم في مؤسسته في مدينة دالاس بولاية تكساس ليل الاربعاء المصادف 18/5/2022 أشار الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن الى العمليات العسكرية الروسية الجارية في اوكرانيا وقال في خطابه (اتخاذ قرار من طرف رجل واحد شن غزو وحشي وغير مبرر على الاطلاق على العراق) وهو يقصد اوكرانيا في زلة لسان فضحت المخبوء في اعماق نفسه وحقيقة كابوس العراق الذي يطارده ويؤرق ضميره.
فتحت أوامر بوش الابن غزت أمريكا العراق عام 2003 وأدت العملية العسكرية الى مقتل مئات الالاف من المدنيين العراقيين وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية العراقية ودخول العراق في دوامة العنف والقتل والتخلف والازمات والفساد وما زالت تبعات هذا الغزو مستمرة حتى الوقت الحاضر. ويعتبر عالم النفس المعروف سيغموند فرويد ان زلة اللسان هي (تعبير غير واع عن مكنون النفس، حتى وان بدت مجرد خطأ عابر).
وفي الوقت نفسه، لم تستطع منظمة الأمم المتحدة ومجلسها للأمن من تطبيق قرار واحد فقط على الكيان الغاصب لفلسطين منذ أكثر من (70) عاما رغم القرارات التي صدرت من مجلس الامن بحق الكيان الغاصب لفلسطين حيث بقيت تلك القرارات متروكة في أدراج مكاتب الأمم المتحدة ولم تستطع هذه المنظمة حتى إدانة سياسة إسرائيل العنصرية والحاقدة وما تفعله من أعمال عدوانية اتجاه سكان فلسطين الأصليين وتغيير تركيبة المجتمع السكانية وتغير معالم فلسطين الحضارية والثقافية والدينية والاعتداء على المقدسات الاسلامية.
بتاريخ الاول من شباط عام 2022 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها الرسمي بعنوان (نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين) خلال مؤتمر صحفي في مدينة القدس وشددت المنظمة على أنه (ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين) ودعت المنظمة محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
وأوضحت المنظمة أن نظام الفصل العنصري هذا (نظام قاس يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية). ويوثق التقرير كيف أن عمليات الاستيلاء الواسعة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية وأعمال القتل غير المشروعة والنقل القسري والقيود الشديدة على حرية التنقل وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أنتهاكات لنظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. ويتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تبين لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلا عنصريا وجريمة ضد الإنسانية كما هي معرفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري).
ومع كل هذه الجرائم العنصرية البشعة التي بينها ووثقها تقرير منظمة العفو الدولية وقفت أمريكا للدفاع عن الكيان الغاصب لفلسطين ورفضت بشدة ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية واصفة مضمونه بـ (السخيف). كما عارضت أمريكا في يوم 7/6/2022 ما جاء في تقرير صدر عن لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بشأن الاوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة. حيث جاء في تقرير اللجنة ان (انهاء الاحتلال الاسرائيلي المستمر ومنع التمييز ضد الفلسطينيين ضروريان لوضع حد للنزاع ووقف دوامة العنف المستمرة). انها سياسة الكيل بمكيالين, واحد لحليف أمريكا والاخر لمن لا ترضى عنه أمريكا.
وفي نفس السياق قرر الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش، العام الماضي (2021)، مواصلة عدم ادراج القوات الاسرائيلية على اللائحة السوداء للدول والجماعات المنتهكة لحقوق الاطفال في مناطق النزاعات رغم تحميلها المسؤولية عن غالبية الانتهاكات الجسيمة ضد الاطفال الفلسطينيين خلال سنة 2020 في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وغزة وفلسطين المحتلة.
ولكن غوتيريش قرر، في نفس الوقت، ادراج القوات المسلحة السورية والحوثيين على اللائحة السوداء لاتهامهم بقتلهم أو تشويههم أطفالا خلال سنة 2020 حسب زعمه وتناسى غوتيريش ما تفعله اسرائيل يوميا في فلسطين من قصف وهدم منازل وتجريف مزارع وقتل وتهجير للاطفال والنساء والرجال الفلسطينيين أو ما تقوم به السعودية والقوات المتحالفة معها من عدوان صارخ في حربها العبثية الطاحنة على الشعب اليمني وما ترتكبه يوميا من قتل للنساء والاطفال وجرائم انسانية يندى لها الجبين منذ أكثر من سبع سنوات. كما وينسى غوتيريش آخر جريمة بشعة قامت بها السعودية بتاريخ 12/3/2022 من قطع رؤوس (81) معتقلا أكثر من نصفهم كانوا سجناء رأي من منطقة القطيف الشيعية من ضمنهم أطفالا كانوا وقت اعتقالهم.
وعلاوة على ذلك فقد تبنت الأمم المتحدة قرارا في بداية هذا العام 2022 يهدف الى محاربة انكار المحارق النازية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية أو ما يعرف اختصارا بـ (الهولوكوست). حيث تمت الموافقة على القرار الذي تقدمت به ألمانيا والكيان الصهيوني من دون تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة المكونة من 193 عضوا. وقد تبرأت ايران وحدها عن طريق وزارة الخارجية من هذا القرار وأعتبرته (استغلالا من قبل الكيان الصهيوني للآليات الأمم المتحدة للتغطية على جرائمها اليومية ضد الفلسطينيين).
انها سياسة الامم المتحدة ومجلسها للامن والدول الاوروبية الغربية وأمريكا الماسكة بزمام قرار (الفيتو) والتي ترفض ادانة الكيان العنصري الغاصب لفلسطين ولكنها لا تتوانى في الصاق التهم بالذين لا يسيرون في ركابها. واعتمادا على هذا المنطلق العنصري الاعوج والاعمى تضع أمريكا نفسها ميزان الخير والشر في العالم فهي تضع دول العالم في صنفين. دول محور الشر وهي الدول التي لا تخضع لسياستها ولا تنفذ مخططاتها والى دول الخير وهي الدول السائرة في ركابها والمنفذة لاجندتها والخاضعة لضغوطها.
والحقيقة، إن نظرة بسيطة لخارطة العالم تكفي لملاحظة إن منظمة الأمم المتحدة لا تنظر إلا بعين واحدة هي عين أمريكا والدول الغربية في اغلب الامور. فهي منظمة (كانت تسمى عصبة الامم في وقتها) ولدت لخدمة الدول الاوروبية بعد الحرب العالمية الثانية ولا يمكنها أن تعبر بأي حال من الأحوال عن طموحات وتطلعات الدول المنظمة إليها والبالغ عددها (195) دولة.
فالأعضاء الخمسة الدائمين والمالكين لقرار النقض (الفيتو) في مجلس الأمن, وهو السلطة العليا للمنظمة، ينتمون فقط إلى دول غنية تقع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. فأمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين تشغل كراسي مجلس الأمن منذ العام 1945 ورغم التحولات السياسية والاقتصادية والسكانية التي شهدها العالم منذ أكثر من (75) عاما وبروز قوى أخرى على الساحة الدولية وازدياد الوعي السياسي في اغلب الدول فان صلاحيات وتركيب وعدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لم يتغير نهائيا رغم إدخال عشر دول إضافية إلى مجلس الأمن في الفترة الأخيرة إلا إن هذه الدول لا تمتلك الحقوق والصلاحيات نفسها التي يملكها الأعضاء الدائمين وليس لها حق النقض (الفيتو). إن مجلسا دوليا بهذه التركيبة لا يمثل العالم كما هو ولا يعبر عن مكوناته الحقيقية أو طموحاته المشروعة بل أصبح بالعكس أداة يملك زمامها عدد قليل من الدول لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة تتحكم في مصائر الغالبية العظمى من الدول والشعوب التي تزيد نسبتها على (97%) من عدد الأعضاء المنتمين الى منظمة الأمم المتحدة.
ان هذا التعسف والانفراد بالقرار والكيل بمكيالين هو الذي أدى إلى إضفاء شرعية مجلس الأمن عام 1991 في الحرب على العراق وشعبه وتطبيق جريمة الحصار الجائر على العراق من قبل الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لأكثر من (13) عاما مع ما تبع هذا الحصار من آثار فتاكة على مستوى التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية وتلوث البيئة وزيادة عدد الوفيات وخاصة في صفوف الأطفال في العراق.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟