- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما موقع العراق مما يجري في سوريا؟
بقلم: د. فراس إلياس
أثيرت في اليومين الماضيين العديد من الأخبار التي تتحدث عن خطر يواجهه العراق مما يجري في سوريا، وجزء كبير من هذه الأخبار مقصودة بهدف خلق رأي عام موجه لغاية وهدف محدد (نناقشه لاحقا)، لكن الثابت إن أغلب ما يثار حول هذا الموضوع لا يستند لأساس منطقي واضح بل مخاوف تغذيها أجندات معروفة.
باختصار تبدو المشكلة السورية معقدة للغاية، وجزء من هذا التعقيد مرتبط بما يجري في حلب وحماة حالياً، بل الملف السوري بالمجمل، هي مشكلة تتداخل فيها الاعتبارات الطائفية والوطنية والإقليمية والدولية، السياسية والعسكرية والأمنية، وهو ما جعل عملية تفكيك ما يجري هناك مشكلة بحد ذاتها، بسبب تمسك كل طرف بجزء من الحقيقة ونفي الحقيقة عن الآخر.
وبعيداً عن ما يجري هناك، السؤال الأهم ما تأثيرات ذلك على العراق، بداية علينا التفريق بين ما يجري في حلب وباقي الساحة السورية، وما يجري على الحدود العراقية السورية، وان الضرورة تستدعي القول، بأن الخطر الأكبر يكمن في التهديدات الموجودة على الحدود، وأن التحركات التي تقوم بها المعارضة السورية ليست بوارد الامتداد للداخل العراقي، لأن مشكلتها مع النظام السوري وليس مع الدولة العراقية، ولا يوجد أساس منطقي لنقل معركتها إلى داخل العراق لأسباب كثيرة جداً يطول شرحها.
إن مشكلة العراق الرئيسية تكمن فيما لو استغل تنظيم داعش هذه التطورات، وأراد أن يخلق فجوات أمنية داخل العراق، انطلاقا من نقاط انتشاره في مناطق الجزيرة والبادية على الحدود، ولكن السؤآل هنا هل يمكنه ذلك، الجواب لا.
التدابير الأمنية التي اتخذتها الحكومة العراقية كانت كبيرة وواسعة، وهي منذ اشهر وليست وليدة اللحظة، والتي تشمل تعزيزات عسكرية وأبراج مراقبة ومفارز حدودية وأسلاكا شائكة مكهربة وسيطرة شبه كاملة على الأنفاق والممرات السرية، والأهم حواجز كونكريتية، مع التأكيد أن هذا كله لا يمنع من حدوث اختراقات عرضية، لكن تبقى في إطار المسيطر عليها، رغم أنها مستبعدة حالياً.
المستفيد الأكبر مما يجري حالياً هي تركيا، فبعد السيطرة على حلب، ستتجه هي لتنفيذ عملية عسكرية على الأغلب في مناطق منبج وتل رفعت في شمال سوريا، ما قد يشجعها ذلك على المضي قدما في عملياتها العسكرية في شمال العراق، وربط الحدود العراقية بالحدود السورية، وبناء حزام امني يمتد من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط وبعمق 30 كم، كما صرح بذلك الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم أمس.
إيران هي الخاسر الأكبر من كل ما يجري، ويمكن وصف عام 2024 بعام (نكبة إيران)، إذ تم استنزافها وفي أكثر من جبهة، وفي العراق ستحاول تحصين نفوذها لأنه المجال الجغرافي الأقرب لأمنها القومي، وستحاول تعديل سلوكها بالشكل الذي يضمن عدم مواجهة هذه التحديات داخل طهران في الفترة المقبلة.
روسيا تحاول الاستثمار بما يحدث، وستعمل على بناء شروط تفاوضية جديدة في سوريا، ومع العراق هناك توجه روسي بدأ من الأسبوع الماضي، بتعزيز الدور الروسي في العراق، من خلال دور روسيا في منع شن هجوم إسرائيلي داخل العراق، عبر الموقف الذي أبداه الكرملين الروسي.
أما الولايات المتحدة فهي تمر اليوم بمرحلة انتقالية، ما بين خروج بايدن وقدوم ترامب، ويبدو ان قوات المعارضة السورية اختارت الوقت المناسب للتحرك، وإنتاج وضع سياسي جديد تجبر من خلاله إدارة ترامب على التعامل معه في المرحلة المقبلة.
إجمالا ما يعنينا نحن كعراقيين أن ندرك تماماً بأن المشكلة السورية هي مشكلة السوريين وحدهم، والواقع والمنطق يفرض علينا تأمين الحدود وعدم التدخل، وأن لا نكون جزءا من المشكلة، والأهم أن لا نكون جزء من مشاريع إقليمية ودولية، فضلا عن أنه في السياسة تكون المصلحة هي المتحكم الرئيسي في العلاقات بين الدول، ولذلك علينا أن نفكر بمصالحنا قبل مصالح الأخرين، لأن التوقع الوحيد للذي يجري في سوريا هو اللا توقع.
أقرأ ايضاً
- جهاد الامام الحسن عليه السلام
- الأطر القانونية لحماية البيئة من التلوث في التشريع العراقي
- (ماراثونات) من أجل تعزيز الوعي !؟