- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المكياج بلا حدود: ظاهرة متنامية تُقلق القيم وتُنهك الذات

بقلم:علاء حيدر السلامي
رغم البيئة الاجتماعية العراقية التي تستقي مفاهيمها من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، باعتباره دين الدولة الرسمي كون المسلمين يشكلون الأغلبية الساحقة، إلا أن تأثير هذه التعاليم تراجع بشكل ملحوظ في بعض السلوكيات المجتمعية ، ومن أبرزها ظاهرة وضع المرأة للمكياج خارج الحدود الشرعية أي أمام غير المحارم ، والتي يُجمع الفقهاء من كلا المذهبين، الشيعي والسني ، على تحريمها " على ان بعض النساء قد تتصور أن المكياج الخفيف لا يدخل في نطاق المحرمات، وهنا يُنصح بمراجعة الفتاوى الشرعية التي فصلت القول في هذا الجانب" ، وحرصا على تجنب الجدل بهذا الامر من وجهة نظر دينية الذي يعد تحريم المكياج فيه من البديهايت سنتناول الموضوع من منظور نفسي وصحي .
بينت دراسات نفسية عديدة أجريت حول العالم أن استخدام المكياج لا يرتبط فقط برغبة المرأة في تحسين مظهرها، بل يعكس أحيان كثيرة عن حالتها النفسية ، فكلما زادت كمية المكياج، دلّ ذلك في كثير من الحالات على اضطراب نفسي أو حالة من القلق وعدم الاستقرار الداخلي، وتشير بعض الدراسات إلى أن بعض النساء يلجأن إلى المكياج كوسيلة لتعزيز ثقتهن بأنفسهن أو لتغطية مشاعر سلبية يعشنها.
ففي دراسة نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، والتي أُجريت على عينة من 1400 امرأة يستخدمن مستحضرات التجميل المختلفة، تبين أن النساء اللواتي يضعن مكياجا بكثافة سجلن درجات مرتفعة في اختبارات النرجسية، ويرى الباحثون أن السبب يعود إلى اهتمامهن الكبير بالصورة الذاتية وكيف يراهن الآخرون، فضلاً عن حب التنظيم والتركيز على التفاصيل، أما من استخدمن مكياجا اقل، فقد سجلن درجات أدنى في النرجسية واعتبرن أكثر ثقة بأنفسهن، وغير مباليات بإرضاء الآخرين.
الباحثون من جامعة ساو باولو في البرازيل أكدوا أن النساء اللواتي لا يُفرطن في وضع المكياج أقل عرضة للاعتلالات النفسية مثل النرجسية والاضطراب الشخصي، لأنهن يتمتعن بثقة ذاتية عالية ولا يحتجن إلى إثبات أنفسهن من خلال المظهر الخارجي ، وبالتالي وبحسب ماوصفته الدراسة فان عملية وضع المكياج لايخرج الا عن كونه اعتلال نفسي ، بزيادته تعد المراة بعداد الشخصيات النرجسية وان قل فهن اقل حدة بهذا الوضع النفسي على ان الإكثار من استخدام المكياج يحمل أضرارًا أخرى غير نفسية مثل اضعاف تطوير المهارات والذكاء والثقافة ، كما يؤدي الى تحمل تكاليف مالية عالية كون مستحضرات التجميل عالية الجودة قد تُثقل كاهل الفتيات والشابات ماليا هذا بالإضافة الى المخاطر الصحية لان بعض المنتجات تحتوي على مواد كيميائية قد تؤدي إلى تهيجات جلدية أو مضاعفات صحية أكثر خطورة.
كما خلصت إحدى الدراسات إلى أن النساء اللواتي يستخدمن مستحضرات التجميل بصفة أقل يتمتعن بثقة بالنفس أكبر ممن يستخدمنها بصفة منتظمة، فضلا عن زيادة احترام الذات والاستقرار العاطفي، وبالمثل، فإن النساء اللواتي توقفن عن وضع المكياج لمدة أسبوعين انخفضت مستويات التوتر لديهن.
وتشير مجلة "إستيلو نيكست" (EstiloNext) الإسبانية إلى أن بعض المشاهير عالميا بدأن في الابتعاد عن استخدام المكياج المفرط، ليس فقط لأسباب صحية، بل أيضًا لرغبة في إبراز الجمال الطبيعي والثقة بالنفس ، فبعدما كان المكياج علامة مميزة للمراة التي تتميز بالثقة بنفسها من خلال زيادة جمالها بوضع المكياج واخفاء العيوب انقلبت الموازين في السنوات الأخيرة ، لتثور العديد من النساء على السطحية التي تروج لها مواقع التواصل الاجتماعي من خلال التخلي عن المكياج والظهور على طبيعتهن.
المشكلة الرئيسية تكمن في أن هذه الظاهرة، التي كانت حتى وقت قريب مرفوضة في معظم المحافظات ذات الطابع العشائري والديني، أصبحت اليوم أمرا مقبولا ومألوفا ، اذ لم يعد استخدام المكياج خارج الحدود الشرعية مثار انتقاد، بل تحوّل في بعض الأوساط إلى معيار تحضر متناسين أنه يخالف القيم الدينية والأعراف الاجتماعية الأصيلة لذا فما الحل؟ للحد من هذه الظاهرة، لا بد من تفعيل ثلاثة مسارات :
المسار التوعوي: عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، من خلال تسليط الضوء على الجوانب الدينية والصحية والنفسية المرتبطة بهذه الظاهرة.
المسار التربوي: إدخال مفاهيم الجمال الطبيعي، والاعتزاز بالذات، والاعتدال في المظهر ضمن المناهج التربوية والأنشطة الشبابية.
المسار المجتمعي: دعم المبادرات المجتمعية التي تعزز القيم الأصيلة وتُشجع على احترام العادات والضوابط الشرعية.
المسار الديني : من خلال استخدام لغة الحوار البناء وبث التعاليم الإسلامية بطريقة مقبولة الى الجيل الجديد.
إن معالجة ظاهرة استخدام المكياج خارج الإطار الشرعي لا تتطلب فقط موقفًا دينيا، بل وعيا اجتماعيا ونفسيا متكاملا، يدفع باتجاه بناء مجتمع متوازن يحترم القيم دون أن يفقد إنسانيته.