بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
ليست العدالة إلا شجاعة، شجاعة القاضي حينما يحسم الموقف ويتخذ قراره من دون تردد، شجاعة القاضي حينما يعيد الحقوق لأصحابها وحينما لا يسمح لأي ظروف أن تضعه في خانة الخشية أو الانصياع، شجاعته المقترنة بالتصميم، وضميره المتسم بالصلابة، شجاعة أن يعيد القاضي الحق لصاحبه حتى وإن كان صاحب الحق هو الطرف الأضعف والأقل عدة وعددا ونفوذاً.
الشجاعة كل الشجاعة تجلت في قرار المحكمة الجنائية الدولية حينما أصدرت مذكرة القبض بحق رئيس الكيان الصهيوني نتن ياهو ووزير دفاعه السابق في موقف شعرت به المحكمة الجنائية الدولية بأنها قوية بقضاتها وأشعرتنا جميعا بهذه القوة، تلك القوة التي استمدها قضاة المحكمة من العدالة كي ينتصروا للشعب الفلسطيني المظلوم بعد أن أقنعتهم حجة الأدلة المقدمة إليهم بأن الكيان الإسرائيلي ارتكب جرائم التسبب بالإبادة والتسبب بالمجاعة كوسيلة من وسائل الحرب وكذلك استهدف المدنيين عمدا في أوقات الحرب.
صحيح أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك قوة تنفيذية دولية يمكنها أن تنفذ مذكرات القبض لكن الدول التي سبق وأن وقعت على نظام ورما الأساسي تكون ملزمة في تنفيذ مذكرات القبض متى تواجد أي من المطلوبين على أراضيها، وإن لم تنفذ تلك المذكرات فستكون في موقف حرج أمام شعوبها وأمام العالم الحر في كونها تخاذلت في تطبيق القانون الدولي ومراعاة حقوق الإنسان ومحاكمة مرتكب الجرائم ضد الإنسانية وفيأضعف الاحتمالات فإن مذكرة القبض لن تخلو من آثار اعتباريةمستقبلية منها أن رئيس الكيان الصهيوني مطلوب بجرائم إبادة امام المحكمة التي تمثل الضمير الإنساني الدولي، كذلك فإن هذه المذكرة بمثابة إدانة تاريخية ومستقبلية للكيان الصهيوني ورسالة معبرة عن الجرائم التي ارتكبها بحق المدنيين العزل في غزة.
ويتمثل السبب الأساس لوجود المحكمة الجنائية الدولية في إيجاد قوة دولية قادرة على محاكمة الرؤساء والمسؤولين والأشخاص العاديين الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية في بلدانهم أو في بلدان أخرى ولا توجد سلطة تستطيع مقاضاتهم وإصدار الأحكام تجاههم، فوجدت تلك المحكمة من أجل وضع أساس قانوني للمسؤولية الجنائية الدولية ومحاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.
فالمحكمة الجنائية الدولية أنشئت للحفاظ على السلم الدولي بعد الحربين العالميتين وما تلاهما من حروب ونزاعات مسلحة فضلا عن رغبة الشعوب في إقرار العدالة كقيمة عليا يجب احترامها ومراعاتها والدفاع عنها وإذا كان بعض القادة المحليين من مرتكبي جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية فوق القانون المحلي فلا أحد يستطيع محاكمتهم، فإنه وبعد تشكيل المحكمة الجنائية الدولية صار من الممكن محاكمتهم، مما أعاد الثقة بمنظومة العدالة الدولية.
أقرأ ايضاً
- الأطر القانونية لحماية البيئة من التلوث في التشريع العراقي
- الاستزراع القانوني في ظل التعددية القانونية
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي