- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وقفة مع صُنّاع الأجيال في إضرابهم المشروع

بقلم: احمد صلاح
منذ لحظة دخولنا إلى المدرسة، لم نكن نرى في المعلم مجرّد موظف يؤدي واجبه، بل كنا نراه شخصًا استثنائيًا، يمثل الأب الثاني، والقدوة الأولى، والرمز الذي نتطلع أن نكون عليه حين نكبر. لم يكن يملك مالًا أو سلطة، لكنه كان يملك الهيبة… وكان يكفي أن يقول كلمة، فننصت. يكفي أن يعبس، فنُراجع سلوكنا. كان في نظرنا الأصدق، والأعدل، والأقرب إلى الحلم.
واليوم، وبعد أن كبرنا، وتقلّب بنا الزمن، لا زلنا، رغم كل شيء، إذا صادفنا أحد معلمينا في الطريق، نقف تلقائيًا، نبتسم بأدب، ونصغي كأننا لم نغادر مقاعد الدراسة.
وهذه الهيبة الفطرية، وهذا التقدير العميق، لا يُمنح لأي مهنة أخرى، ولا يأتي من فراغ، بل هو حصيلة تربية أجيال، وبناء وعي، وصبر لا يُضاهى.
حين يضرب المعلم، فهو لا يبتز، ولا يتدلّ، هو يصرخ نيابة عن التعليم.
هو يُذكّر الدولة والمجتمع معًا، بأن الكرامة لا تتجزأ، وأن من علّم الناس حقوقهم، لا يجوز أن يُسلب حقّه.
فالإضراب الذي تشهده اليوم الملاكات التربوية في عدد من المحافظات، لم يأتِ عبثًا، بل هو نتيجة تراكمات من التهميش، وضعف الدعم، وسوء التقدير، وعدم الاستجابة للمطالب المشروعة.
نقف اليوم أمام معلمٍ أنهكه التضخم، وأرهقه الروتين، وجعله الإهمال بين نار الواجب، ومرارة الواقع. ومع ذلك، لا يزال يتمسك بطلابه، ويصنع الفرق في أصعب البيئات.
ولذلك، من العيب أن نقف متفرجين، أو أن نكيل له الاتهامات، بل من الواجب أن ننصت لصوته، ونحمل قضيته، ونقول بملء الفم:
نحن مع المعلم، لأنه لا يطلب امتيازًا، بل كرامة تليق برسالة خالدة.
فمن يُعلّم الطبيب والمهندس والقاضي والكاتب، لا يجوز أن يُنسى، أو يُترك في مؤخرة الصف!
أقرأ ايضاً
- مكانة المعلم تبقى محل احترام وتقدير
- وقفة على قرار منع استيراد مواد ورفع التعرفة الجمركية لأخرى
- هل حان الوقت لوقف التهاون مع الأردن وفلسطين؟