- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاتجاه الجديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي

بقلم: زينة شاكر خسرو
من نافلة القول إن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 يُعد من أهم القوانين التي تُنظم شؤون الأسرة والأحوال الشخصية في العراق. وقد أُقرت تعديلات عليه في ضوء المستجدات الدستورية والاجتماعية، ومن بينها التعديل الأخير الذي يتيح للمسلمين الشيعة تطبيق الأحكام الشرعية وفق المذهب الجعفري في قضايا الأحوال الشخصية، ويستند هذا التعديل إلى المادة (41) من الدستور العراقي لعام 2005، والتي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم". وقد جاء هذا التعديل ليترجم هذه المادة إلى قانون نافذ، حيث يتيح للمواطنين المسلمين الشيعة تنظيم أحوالهم الشخصية وفق مدونة الأحكام الشرعية للمذهب الجعفري. وقد جاء قانون رقم (1) لسنة 2025 قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959بمجموعة من الاتجاهات الجديدة وهي كما يلي:
أولاً: حق الاختيار المطلق
1-الاختيار عند عقد الزواج: حيث سمحت المادة الأولى من التعديل للمسلمة العراقية والمسلم العراقي حق اختيار تطبيق أحكام المذهب الشيعي الجعفري عند إبرام عقد الزواج. ويترتب على هذا الاختيار تطبيق تلك الأحكام على الزوجين وأولادهما القاصرين، مع عدم إمكانية العدول عن هذا الخيار لاحقًا.
2-الاختيار بأثر رجعي: يشمل التعديل أيضًا الزيجات التي أُبرمت قبل نفاذ القانون، حيث يحق لأحد الزوجين التقدم بطلب إلى محكمة الأحوال الشخصية لتطبيق الأحكام الجعفرية إذا كان العقد قد تم وفق هذا المذهب، مع إمكانية إثبات ذلك من خلال نصوص المهر المؤجل وغيرها من الشروط العقدية.
ثانياً: الرجوع إلى المجلس العلمي من قبل محاكم الأحوال الشخصية
1-دور المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي: يتولى المجلس العلمي وضع "مدونة الأحكام الشرعية" وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال أربعة أشهر من تاريخ نفاذ القانون. كما يمنح القانون مجلس النواب مهلة ثلاثين يومًا للموافقة على المدونة، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة المجلس على مناقشة الأحكام الشرعية بموضوعية تشريعية، إذ إن المهلة الزمنية الممنوحة لمجلس النواب قصيرة نسبيًا عند مقارنة ذلك بالأهمية الجوهرية لهذه المدونة، التي ستؤسس لقواعد قانونية وشرعية مستقلة داخل النظام القانوني العراقي. ولذلك فإن تحديد ثلاثين يومًا فقط قد يحول دون إجراء مناقشة قانونية معمقة لهذه الأحكام.
2-التزامات المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي: حدد النص التزامات المجلس العلمي في ثلاثة جوانب رئيسية وهي كما يلي:
أ-الالتزام بالحدود الشرعية: يؤكد النص على التزام المجلس العلمي بعدم تجاوز الحدود الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية، مثل سن الزواج وتعدد الزوجات وحضانة الأطفال. فهذا الالتزام يعكس أهمية الحفاظ على الثوابت الشرعية وعدم المساس بها.
ب-مراعاة مصلحة المحضون: يلزم النص المجلس العلمي بمراعاة مصلحة المحضون في تحديد حق حضانة الأم، بحيث لا يقل عن سبع سنوات، ويراعي مصلحة الطفل الفضلى في ذلك. هذا التأكيد على مصلحة الطفل يعكس التوجه الحديث في الفقه القانوني والشريعة الإسلامية نحو إعطاء الأولوية لحقوق الطفل واحتياجاته.
جـ-الاستشارة الشرعية: يمنح النص محاكم الأحوال الشخصية صلاحية الرجوع إلى المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي في حال عدم وضوح النصوص أو وجود خلاف بين أطراف النزاع. وهذا الإجراء يضمن للقضاء الاستعانة بالخبرة الشرعية للمجلس العلمي في إصدار الأحكام العادلة والموافقة للشريعة. وهو اتجاه حديث إذا كانت المحاكم في بعض المحافظات تُخاطب مكاتب المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف في بعض المسائل وليس المجلس العلمي.
ثالثاً: الإجراءات القضائية
يمنح القانون محاكم الأحوال الشخصية صلاحية الرجوع إلى المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي في حال عدم وضوح النصوص. وفي حال اختلاف أطراف النزاع حول تطبيق أحكام المذهب الجعفري أو قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة1959 ، يكون للمُطَلِّق والموصي والمُوَرِّث الحق في تحديد الإطار القانوني لقضاياهم.
ويأتي هذا التوجه الجديد كخطوة نحو تعزيز مبادئ العدل والإنصاف في الإجراءات القضائية، حيث يمنح القانون القاضي سلطة تقديرية واسعة في حالة عدم اتفاق الأطراف على القانون الواجب التطبيق، او إذا لم تتحقق أغلبية في اختيارها. وخير مثال نرى على ذلك، في قضايا حضانة الأطفال، فان المحكمة تركز بشكل أساسي على مصلحة الطفل، وتضع في الاعتبار عوامل مثل عمر الطفل، واحتياجاته العاطفية والمادية، وقدرة كل من الابوين على توفير الرعاية المناسبة. وفي هذه الحالة، يقوم القاضي باختيار القانون الذي يراه أكثر انسجاما مع مبادى العدل والانصاف، مع مراعاة طبيعة العلاقة بين الأطراف ومصالحهم والأعراف السائدة وهذا يعكس حرص المشرع على تحقيق العدالة في الاحكام القضائية.
خلاصة القول ان قانون الأحوال الشخصية رقم (1) لسنة 2025 جاء باتجاهات جديدة وتمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة في قضايا الأحوال الشخصية، حيث يأخذ بعين الاعتبار التنوع الديني والمذهبي الذي يتمتع به المجتمع العراقي. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التوجه يعتمد بشكل كبير على تعاون جميع الأطراف المعنية، وإخلاص النوايا في تطبيقه. بهذه الطريقة، يمكن أن يصبح هذا القانون أداة فعّالة لتعزيز الاستقرار الأسري، وحماية حقوق الأفراد، وبناء مجتمع أكثر تماسكًا وتوازنًا.
أقرأ ايضاً
- جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات وتحديد المسؤولية
- التجنس بالاستثمار وموقف المشرع العراقي
- التعليم القانوني "القياس والتقييم"