
اختبار صعب تواجهه السياسة المالية في العراق، بعد التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية، في وقت تستند فيه موازنة 2025 إلى سعر تقديري يبلغ 70 دولارًا للبرميل، وبينما انخفضت الأسعار الفعلية إلى نحو 60 دولارا، برزت مخاوف من تفاقم العجز المالي الذي قد يتجاوز التقديرات السابقة.
لكن، الحكومة تؤكد امتلاكها احتياطيات مالية كافية لتغطية الرواتب والنفقات الأساسية، وسط تحذيرات من انعكاسات الأزمة على المشاريع والخدمات في حال استمرار التأخير في إقرار الموازنة.
ويقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، إن “الموازنة العامة للسنوات الثلاث اعتمدت سعرا تقديريا يبلغ 70 دولارا لبرميل النفط، مع سقف إنفاق لا يتجاوز 200 تريليون دينار، وعجز افتراضي قدره 64 تريليونا”.
وكانت أسعار النفط، قد هوت سريعا، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية على أغلب دول العالم، وبما فيها الصين، قبل أن يعلق قراره لمدة 90 يوما، ويبقيه على الصين فقط، حيث تسبب القرار بانخفاض سريع لأسعار النفط حيث لامست 60 دولارا.
وجاء انخفاض أسعار النفط، ليحظى بتأييد من البيت الأبيض، الذي أعلن أن خطة ترامب إيصال سعره إلى 50 دولارا، وهذا يتزامن مع إرباك دولي في التجارة، فضلا عن مفاوضات الملف النووي التي بدأت مع إيران.
ويضيف صالح، أن “هذه الأرقام وضعت كتحوط من تقلبات أسعار النفط، وبشكل خاص في حال حدوث هبوط مفاجئ في السوق، ما لم يعد متوسط السعر إلى 70 دولارا خلال السنة المالية”.
ويبين أن “السياسة المالية في العراق تمتلك تجربة وأدوات تتيح مواجهة انخفاض الإيرادات، من دون التأثير على أولويات الإنفاق، وفي مقدمتها الرواتب والرعاية الاجتماعية والتقاعد، إضافة إلى دعم الفلاحين والمشاريع الخدمية”، مشيراً إلى أن “السوق المصرفية الداخلية توفر مرونة في تغطية العجز، خصوصًا إذا استمرت الأسعار بالهبوط خلال ما تبقى من عام 2025”.
ورغم طمأنة الحكومة بشأن قدرة السياسة المالية على امتصاص الصدمات، إلا أن غياب جداول الموازنة عن البرلمان حتى الآن، أثار موجة انتقادات من نواب أكدوا أن هذا التأخير عطل إطلاق التخصيصات المالية، وأوقف مشاريع خدمية واسعة، ما انعكس سلبا على الاقتصاد المحلي، خصوصًا في ظل حساسية المرحلة.
لكن الإرباك المالي لا يقف عند حدود الموازنة، بل يمتد إلى ملف النفط، حيث يواجه العراق ضغوطا بسبب تجاوزه لحصته المحددة ضمن اتفاق “أوبك بلاس”، فرغم تقليصه للإنتاج بواقع 40 ألف برميل يوميا خلال آذار مارس الماضي، إلا أن الكميات التي يصدرها ما تزال أعلى بنسبة 4 بالمئة من السقف المتفق عليه، حسب أوبك.
وحول هذا الأمر، يؤكد عضو مجلس النواب، باقر الساعدي، أن “تراجع أسعار النفط العالمية ستتسبب بعجز في موازنة 2025، حيث نتظر البرلمان إدراج مشروع قانون الموازنة على جدول أعماله للتصويت عليه في الجلسات المقبلة”.
ويتابع أن “الموازنة الحالية تم تقديرها على أساس سعر 70 دولارًا للبرميل، في حين أن أسعار النفط انخفضت مؤخرًا إلى ما يقارب 60 دولارا، وهذا الفرق سيؤدي بطبيعة الحال إلى عجز في الإيرادات”.
ويلفت إلى أنه “حتى الآن لم تصل الموازنة إلى قبة البرلمان للتصويت، بسبب تعطيل الجلسات الأخيرة، لكن من المرجح أن يتم التصويت عليها خلال الجلسة القادمة هذا الأسبوع أو الشهر المقبل”.
وحول إمكانية تعديل جداول الموازنة بما يتناسب مع الأسعار الحالية، يوضح الساعدي أن “هذا الأمر سيتم مناقشته بعد وصول الموازنة من الحكومة إلى اللجنة المالية، حيث يمكن إجراء التحسينات والتعديلات المطلوبة قبل التصويت النهائي”.
ويعتمد العراق بشكل كلي على الإيرادات النفطية، بالرغم من وجود بنود في الموازنات الاتحادية تتمثل بتعزيز الإيرادات غير النفطية، مثل المنافذ الحدودية والجباية، لكن جميعها لم تفعل بشكل صحيح، وبقيت إيراداتها قليلة، ولا تشكل نسبة يعتد بها.
ويصدّر العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 85 بالمئة من نفطه الخام عبر موانئ في جنوب البلاد، لكن الطريق الشمالي عبر تركيا ما يزال يمثل نحو 0.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
يشار إلى أن موازنة العراق لهذا العام تجاوزت الـ226 ترليون دينار، بعد إقرارها من قبل البرلمان، وهي أعلى من موازنة العام الماضي البالغة 198 ترليون دينار.
من جانبه، يبين عضو اللجنة المالية النيابية السابق، شيروان ميرزا، أن “العجز المتوقع في الموازنة لن يمس الالتزامات الأساسية للدولة، خاصة مع امتلاك البنك المركزي احتياطيات مالية كبيرة، وتحقيق فائض مالي مفترض خلال السنوات الثلاث الماضية عندما كانت أسعار النفط أعلى من المعتمد”.
ويوضح أن “البرلمان ما يزال بانتظار وصول جداول موازنة 2025، لكن تعديل أسعار النفط يظل خيارا مطروحا في حال استدعت الظروف، لكنه قد لا يرى ضرورة ملحة لهذا التعديل حاليا بسبب الفائض المتحقق سابقا”.
ويخشى مراقبون من أن استمرار هذا التأخير في إقرار الموازنة قد يفاقم أزمة العجز، خصوصًا مع انكماش الإيرادات وتزايد الضغوط الدولية على العراق في ملف النفط، وبينما يترقب الشارع إجراءات عملية لضبط النفقات وتعزيز الموارد، لا تزال الأطر القانونية والمالية عالقة في انتظار توافقات سياسية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- في العراق.. عمال النظافة يعتمدون على دعم الناس للاستمرار
- المالية النيابية تستبعد تعديل سعر برميل النفط
- العطش في العراق.. أزمة المياه تدفع السكان للهجرة الى كربلاء والنجف والبصرة