- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التقاضي الإلكتروني.. نحو عدالة الذكاء الاصطناعي
بقلم: د. حُسين المولى
مع تطور العالم الرقمي، أصبح التقاضي الإلكتروني جزءًا لا يتجزأ من أنظمة العدالة التي تسعى لمواكبة التطورات التقنية الحديثة، يمثل هذا التحول ثورة في العمل القضائي، حيث يُسهم في تحقيق العدالة الناجزة وتقليل التكاليف وتسريع الإجراءات، إلا أن هذا النظام الجديد يتطلب دراسة متأنية لضمان نجاح تطبيقه واستدامته.
إن مفهوم التقاضي الإلكتروني يعني إدخال الوسائل التقنية الرقمية من أجل تنفيذ الإجراءات القضائية، بدءًا من تقديم الدعاوى ومتابعتها وحتى إصدار الأحكام وتنفيذها، من دون الحاجة للحضور المادي للمحاكم، ويعتمد هذا النظام على توافر أدوات تقنية مثل المنصات الرقمية، التوقيع الإلكتروني، تطبيقات المؤتمرات الافتراضية، والذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة النظام القضائي.
إن أهمية التقاضي الإلكتروني تبرز من خلال مساهمته في العديد من المفاهيم التي تستند إليها فلسفة العمل القضائي منها:
1. تسريع العدالة: يقلل التقاضي الإلكتروني من الوقت اللازم لإتمام القضايا، حيث يمكن تقديم الوثائق والإجراءات بصورة إلكترونية.
2. خفض التكاليف: يُوفر التكاليف المرتبطة بالحضور المادي، مثل النقل والإقامة.
3. الوصول للجميع: يُمكّن الأفراد من الترافع من أي مكان، مما يُسهم في تحقيق مبدأ العدالة الشاملة.
4. استمرارية العمل: ظهر أهمية هذا النظام بوضوح خلال جائحة كورونا، إذ استمرت المحاكم في العمل بفضل الأنظمة الرقمية.
ونجد أن التجارب الدولية والعربية في التقاضي الإلكتروني كانت وما تزال مليئة بالنجاحات منها دولة الإمارات إذ قدمت محاكم دبي نظامًا متكاملًا للتقاضي الذكي، يتيح للأطراف إجراء جميع العمليات إلكترونيًا، كما أن المملكة العربية السعودية أطلقت منذ سنوات منصة "ناجز"، التي ساهمت وسهلت تقديم الدعاوى وتتبعها إلكترونيًا، مع توفير خدمات المحاكم الافتراضية.
ولا ننكر حجم التطور التقني الذي يشهده النظام القضائي العراقي من هلال أعتماده على التحول شيئا فشيئا نحو ذلك، وقد أُدخلت اليه العديد من التجارب الناجحة التقنية وخاصة في سماع الشهادة الإلكترونية أو إجراء المحاكمة إلكترونياً بتوافر الضمانات القانونية كافة.
وفي مجال نجاح هذا المشروع الذي يعد منصة رائدة في العمل الرقمي، لا يخلو من تحديات التي تواجه التقاضي الإلكتروني، منها انعدام التشريعات، اذ يكون من الضروري ان تعدل العديد من القوانين لتشمل الاعتراف بالإجراءات الإلكترونية والتوقيع الرقمي، كما ان حماية الخصوصية الرقمية للبيانات الشخصية والقضائية من الاختراقات من ابرز التحديات التي ترافق هذا التحول.
لذا يكون من اللازم التنبه لهذه التحديات من خلال تعزيز البنية التحتية الرقمية لضمان توفير أنظمة تقنية متطورة في جميع المحاكم، والعمل الجاد على التدريب المستمر من خلال تنظيم دورات تدريبية للقضاة والمحامين لتعزيز مهاراتهم التقنية، والسعي الحثيث لتشريعات داعمة لهذا التحول الرقمي بصياغة قوانين واضحة تدعم الاعتراف بالإجراءات الإلكترونية، كما يكون من الضروري التنبه للتكامل مع الذكاء الاصطناعي بواسطة استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل القضايا وتقديم توصيات لدعم القرارات القضائية.
إن التقاضي الإلكتروني بات اليوم يمثل نقلة نوعية في العمل القضائي، ومع هذا التطور لا بد من تضافر الجهود بين الجهات التشريعية والتنفيذية لضمان نجاحه، من خلال الاستثمار في التقنية، تدريب الكوادر، وتحديث التشريعات، يمكن تحقيق عدالة مستدامة تلبي احتياجات العصر الرقمي وتُحقق المصلحة العامة.
أقرأ ايضاً
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي