
بقلم: القاضي ناصر عمران
الاستشراف يعني التطلع والقدرة على النظر في تطورات القادم واحتياجاته والقدرة على ادراك أبعاده المستقبلية، ومفردة الاستشراف قرينة التنبؤ وهي رؤية تطلعية مستقبلية تدخل ضمن منظور المقدمات الضرورية لتحقيق النهج المتكامل الذي يساعد في اتخاذ القرارات ليس باعتبارها شيئاً مفروغاً منه او محتماً وانما باعتبار فعل الاستشراف خلق وتشكيل اكثر منه امراً واقعاً، والاستشراف ذو بعد استراتيجي يعني الاحاطة التامة بمجمل الشيء محل الموضوع وحين يقترن الاستشراف بالعدالة فانه يمنحها بعدا تحليلياً بيانيا وتخطيطا استراتيجياً، فحضور العدالة ببعدها الاستشرافي يعني القراءة والتحليل الذي يُظهر المخاطر والتحديات التي تواجهها او من الممكن ان تواجهها منظومة العدالة بشكل عام.
والعدالة الاستشرافية مفهوم يعني تحقيق العدالة بلحاظ المستقبل وذلك من خلال سياسات واهداف عادلة تضمن حقوق الاجيال وتحفز على الاستدامة والانصاف على المدى الطويل وتعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتضمن تحقيق التنمية المستدامة وتساهم في تحقيق الحكم الرشيد وتختلف عن مفهوم العدالة الذكية التي تشير الى استخدام التقنيات سعيا الى تحقيق عدالة أكثر كفاءة وشفافية عن طريق ادارة القضاء الالكتروني باستخدام الانظمة الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي لكنها مع اختلافها لا تتقاطع معها، بل يشكلان ثنائية متكاملة لعدالة متحققة من خلال الاحكام القضائية المنفصلة التي تحكمها المعايير القيمية والتي هي نتاج حقائق تحقيقية تم التوصل اليها من خلال الاجراءات التي تحكمها القواعد القانونية الموضوعية وحيث تتطلب العدالة تقديم تفسير محدد خاص بقضية معينة فهي ترتبط بمبادئ قانونية تم تطبيقها من خلال عملية قانونية، فالعدالة بمفهومها كإنصاف باعتبارها عدالة قضائية لاتقف عند هذا الحد، بل تملك رؤية متطورة تسعى لتحقق العدالة الناجزة باستخدام تكنلوجيا المعلومات والاتصالات والذي يتم فيه تحقيق تواصل بين جميع اطراف الدعوى والتي تعرف بالعدالة المقننة.
إن العدالة الاستشرافية وان كانت ذات بعد رؤيوي سابق للعمل القضائي تدخر في مكنوناتها وأهدافها منظومات عمل متسعة تشمل جوانب الحياة المتعددة إلا أنها ليست بعيدة عن رؤى القضاء العراقي الذي بدأ يخطو وبعد صدور قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 خطوات واثقة بإدخال انظمة التطور التكنلوجي وبالفعل تم اتخاذ استراتيجية تعتمد تقديم افضل الخدمات القضائية للمواطن اعتمدت تقليص الاجراءات الروتينية في العمل اليومي وادخال المكنة التقنية مع استثمار التطورات الحاصل في منظومة شبكات الاتصالات لمصلحة العمل.
وكان لإدخال خدمة الكونفرانس (المحاكمات الفيديوية) في إجراءات المحاكمات من خلال تدوين اقوال المتهمين والشهود مع توافر الضمانات القانونية اثر واضح في تقليل الحضور الواقعي لأطراف الدعوى، كما أن اعتماد خوارزميات ذكية في الحصول على القسام الشرعي والحجج الاخرى وتطبيق نظام عقد الزواج الالكتروني اضافة الى برنامج الضبط الالكتروني الذي مضى وقت طويل على تطبيقه في المحاكم والمسمى خدمة تطبيق متابعة القضايا على منصتي (كوكل والأب ستور) اضافة الى الخارطة القضائية التي اعتمدها مجلس القضاء العراقي في الوصول الى الاحصائيات والبيانات المطلوبة بشكل الكتروني اختصارا للتكلفة والجهد والوقت كان له اثر واضح تجلى في اطمئنان المواطن وثقته برؤية وعمل القضاء الذي يعتبره السند الاهم والمعول عليه في بناء مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية.
أقرأ ايضاً
- إمام العدالة
- اغتيال الامام علي بن ابي طالب (ع) اول محاولات القضاء على الدين والعدالة
- أثر الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية