- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما زال سقوط الموصل.. إصبع اتهام يُشير الى أطراف محلية وإقليمية ودولية ! - الجزء الثاني
بقلم: نجاح بيعي
مع انتهاء عام (2013) واستقبال عام (2014) تكون التنظيمات الإرهابية ـ والتكفيرية, وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الصراع السياسي بين الكتل والأحزاب السياسية على السلطة والنفوذ وتداعياته الخطيرة, قد استفحل أمرها ووصلت الى حدّ لا يُطاق في العراق, فكانت تستهدف عملياتها الإرهابية الضاربة أطنابها, مكونات الشعب العراقي كافة, وتستهدف الدولة بجميع مؤسساتها خصوصا ً المؤسسة العسكرية والأمنية منها. وهنا اضطرت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, وبعد استقرائها للأحداث واستشرافها لما تؤول إليه مستقبلا ً, عمدت الى توجيه تحذيرات بالغة الأهمية الى جميع الأطراف (الثلاثة) الفاعلة: (المحلية منها ـ والمتمثلة بالقوى السياسية العراقية المُمسكة بالسلطة) و(الإقليمية ـ وخصوصا ً دول الجوار العراقي) و(الدولية ـ صاحبة النفوذ السياسي والأمني والعسكري) في المنطقة والعالم.
وجاءت تحذيرات المرجعية العليا تلك, قبل غزو (داعش) لمدينة الموصل بـ(ستة أشهر) تقريبا ً, الأمر الذي يُعطي وقتا ً كافيا ً لتدارك الأمر ودفع الخطر عن البلد وعموم الشعب العراقي, إن كانوا جادين في مكافحة الإرهاب والفكر التكفيري وتجفيف منابعهما, لكن الجميع كان قد استقبل تلك التحذيرات باللامُبالاة وعن عمد ٍ وباللااكتراث, الأمر الذي يضع تلك الأطراف (جميعا ً) في (دائرة الشك) وتوجيه أصابع الإتهام إليهم بتورطهم (جميعا ً) بما حل بالعراق من كوارث ودمار, جراء غزو (داعش) للعراق كنتيجة, وتدنيس أرضه وعرضه ومقدساته.
ـ وهنا: سأدرج تباعا ً التحذيرات (الثلاث) للمرجع الديني الأعلى السيد (السيستاني) للأطراف (الثلاثة) المحلية والإقليمية والدولية, حول تنامي نشاط الإرهاب والتنظيمات الإرهابية والفكر التكفيري وبيان خطره كمجموعة أولى, وسأردفها لا على سبيل الحصر بتحذيرات عدّة كمجموعة ثانية صادرة من أطراف (محلية وإقليمية ودولية) حول خطر(داعش) بالذات, للحكومة العراقية المتمثلة بـ(رئيس مجلس وزرائها) آنذاك, وهو مما لا شك فيه يتحمل المسؤولية الكبرى والعظمى في تلك القضية, كونه (رئيس مجلس الوزراء) أولا ً,و(القائد العام للقوات المسلحة) ثانيا ً, ووزير(الدفاع) و(الداخلية) وكالة ثالثا ً, والمُمسك بملف الأمن كاملا ً في طول البلاد وعرضها, بعد ورود تلك التحذيرات له, من تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية, من أطراف كلا المجموعتين وكذلك لم يأبه بها بالمرة هو الآخر, وبالخصوص التحذير من خطر تنظيم (داعش) بالذات.
ـ المجموعة الأولى:
تحذيرات المرجعية الدينية العليا للأطراف (المحلية والإقليمية والدولية) سبقت غزو (داعش) لمدينة الموصل بـ(ستة أشهر):
1ـ تحذير الأطراف المحلية (حكومة وشعبا ً):
في تاريخ 3/1/2014م أي قبل صدور الفتوى المقدسة بـ(6) ستة أشهر و(10) عشرة أيام, قالت المرجعية العليا: (إنّ مكافحة القوى الظلامية التي لا تعرف إلا القتل والدمار هي مهمة وطنية لا تختصّ بطائفة دون أخرى، وعلى مكوّنات الشعب العراقي كافة أن تقف خلف القوات المسلحة وأبناء العشائر الذين يحاربون هذه القوى المنحرفة، التي تئنّ الشعوب الإسلامية من ممارساتها الدموية المشينة والتي ينسبونها الى الدين الإسلامي وهو منها براء)(1).
وحسبي بهذا التحذير أن يكون بمثابة مقدمة واضحة لفتوى الدفاع المُقدسة. والمتضمنة التصدي للمجاميع الإرهابية من قبل جميع مكونات الشعب (باعتباره أصبحت مهمة وطنية غير مقتصرة على مكون واحد). ولا يكون ذلك التصدّي إلا من خلال الدولة ومؤسساتها الرسمية, وبالوقوف خلف القوات المُسلحة الوطنية لا غير. وهذا هو الأساس الذي اعتمدته فتوى الدفاع المقدسة في 13/6/2014م ممّا لا يخفى.
وحري بنا هنا.. أن نشير الى ما ثبتته المرجعية العليا على سبيل المثال لا الحصر, من تقييمها وملاحظاتها للتداعيات الكبرى, ورصدها لمكامن الخلل من خلال ومراقبتها لأداء مَن هم في السلطة خاصة ولمن هم في الساحة السياسية عامة, والتي كانت تراها كعوامل مُمهدة لجميع الكوارث والأزمات المدمرة في البلد, حتى توجت بكارثة غزو داعش للعراق, وسأراعي فيها التسلسل الزمني:
أ ـ عدم النضج السياسي لبعض السياسيين: في تاريخ 30/12/2011م قالت المرجعية العليا في معرض تقييمها للتجربة الديمقراطية في عراق ما بعد التغيير: (إذا كانت التجربة الديمقراطية العراقية قد أتسمت بالسلبيات والإيجابيات إنما ذلك بسبب عدم النضج السياسي لبعض السياسيين العراقيين) (2).
ب ـ وجود رؤوس فاسدة: في تاريخ 30/11/2012م قالت المرجعية العليا: (إنَّ هناك رؤوس فاسدة إذا لم تُبدَّل سيبقى الوضع على ما هو عليه.. (وقالت): لن نسمح بمصادرة سُمعة العراق والعراقيين من أجل حفنة من الفاسدين)(3).
ج ـ تسيس القضاء: في تاريخ 28/12/2012م قالت المرجعية العليا: (في الوقت الذي ندعو فيه الى تطبيق الضوابط والقوانين وتفعيل أحكام القضاء, ولكن أيضا ً ندعو الى عدم تسييس القضاء والإنتباه من التداعيات السياسية لذلك)(4).
د ـ الأزمة سياسية بحتة: في تاريخ 4/1/2013م قالت المرجعية العليا إثر تداعيات أزمة اعتقال فوج حماية وزير المالية الأسبق في الـ 20كانون أول عام 2012م: (لا شك أن هناك أزمة سياسية اشتدت في الفترة الأخيرة ونحتاج الى تهدئتها وحلها) وهذه حقيقة ثبتتها المرجعية العليا بأن لا صراع طائفي هناك, وأن الذي حصل ويحصل هو أن الفرقاء السياسيين ألبسوا صراعهم السياسي اللباس الطائفي المسلح لا غير, وانعكس ذلك واشتعل أواره على الشارع العراقي(5).
هـ ـ تدخل السياسيين في القضاء وتسييس الكثير من الملفات: في تاريخ 11/1/2013م قالت المرجعية العليا: (تسييس الكتل السياسية والقادة للكثير من الأمور والملفات, التي يجب أن تأخذ حقها الدستوري والقانوني من الإستقلالية, في اختصاصها وعدم تدخل السياسيين فيها)(6). وتسييس تلك الملفات هو الذي فتح الباب على مصراعيه, لتكريس الفساد وحماية الفاسدين فضلا ً عن تكريس الإرهاب حتى صار الإرهابيين بمنأى عن العدالة والمسائلة القانونية.
و ـ تحميل مجلس النواب مسؤولية مسلسل سفك الدم اليومي: في تاريخ 26/4/2013م قالت المرجعية العليا: (نجد في هذا الوقت من المناسب جداً التأكيد والتركيز وتحميل المسؤولية الى مجلس النواب الموقر.. أن أيّة قطرة دم بريئة سواء في الشارع أو في مقهى أو في حسينية أو في مسجد، من مواطن مدني أو عسكري يكون الذي سفكها ـ مُدان ـ ويتحمل كامل المسؤولية عن ذلك.. أين دوركم ؟!.. وهذا الكلام لكل فرد, لكل شخص لا نستثني أحدا ً ولا نقصد أحدا ً, الكل يتحمل المسؤولية في هذا الظرف الحساس المهم)(7).
ز ـ لا يوجد صراع طائفي في العراق وإنما يوجد صراع سياسي مُسلح على السلطة والنفوذ طُبع بطابع الطائفية: في تاريخ 28/6/3013م قالت المرجعية العليا: (هناك صراع سياسي في بعض مناطقنا جرّ الى صراع مسلح. وهذا الصراع السياسي صراع على السلطة والنفوذ, ولا يصح أبدا ً أن يُطبع بطابع الصراع الطائفي. والخطورة هنا أن بعض الجهات تُجيّش الجيوش وتشحن الكثير من الأشخاص والشباب, للدخول في هذا الصراع بأساليب طائفية, وهذه جريمة بحق مُجتمعاتنا, وهي استخدام (الطائفية) وسيلة لتجييش الجيوش واستقطاب الشباب وغيرهم , للدخول في صراع ذي طابع سياسي وهو صراع على السلطة والنفوذ)(8).
ح ـ هل تريدون حربا ً طائفية وقومية؟. مَن يدفع لكم مِن الداخل؟ مِن الخارج؟. في تاريخ 3/8/2013م توجهت المرجعية العليا بهذه الأسئلة الى جميع الفرقاء السياسيين من جميع مكونات الشعب العراقي, مع التلميح الواضح بأن هناك مَن له يد فاعلة معهم مِن أطراف خارجية, على نحو التخادم وتطبيقا ً لأجنداتهم التي تهدف للنيل من العراق وشعبه تدميرا ً ونهبا ً وتقسيما ً للوطن. حيث قالت المرجعية العليا: (ماذا تريدون؟ هل تريدون حربا ً طائفية وقومية لا قدر الله؟!. وهل يوجد مَن يدفع لكم حتى تصرحوا هكذا؟. أنتم تربيتكم أليست من هذا البلد؟. مَن يدفع لكم مِن الداخل مِن الخارج؟. ماذا يُريد هذا الدافع؟. لماذا يجعلكم أنتم حطبا ً لناره؟)(9).
2ـ تحذير الأطراف الإقليمية بما في ذلك (العالمين) العربي والإسلامي:
في تاريخ 10/1/2014م وقبل صدور الفتوى المقدسة بـ(6) ستة أشهر و(17) يوما ً, قالت المرجعية العليا: (ما نجده في الوقت الحاضر والذي يجري في كثير من مناطقنا لاسيّما دول الشرق الأوسط, من انتشار ظاهرة الإرهاب والفكر المتطرّف المبني على استخدام العنف وعدم القبول بالتعايش مع الآخر تعايشاً سلمياً، وهذه التصرفات قد شوّهت سمعة الإسلام وسببّت إراقة الكثير من الدماء للمسلمين وعدم الإستقرار في عدد من دول المنطقة.. بإزاء اتساع هذه الظاهرة وامتدادها الى دول متعددة, حيث بات من الممكن أن تتّسع هذه الظاهرة أكثر في المستقبل لتشمل دولاً وشعوباً أخرى. لذا لابدّ أن يكون هناك تكاتف بين الجميع في سبيل مكافحة هذه الأفكار، واعتماد الفكر الوسطي المعتدل الذي بُني عليه الإسلام والديانات السماوية كأساس في التعايش السلمي بين مكوّنات أي مجتمع، ومن دون ذلك فإنّ هذه الظاهرة لا يمكن الحد من تأثيراتها السيئة على الإسلام ودول المنطقة، بل ستتّسع لتشمل المزيد من الدول الإسلامية وغيرها)(10). هنا وضعت المرجعية العليا جميع الدول الإسلامية أمام مسؤولياتها, للحد من ظاهرة انتشار الإرهاب والفكر المتطرف, وإلا ستتسع تلك الظاهرة لتشمل جميع تلك الدول الإسلامية وغيرها.
3ـ تحذير الأطراف الدولية:
في تاريخ 17/1/2014م قبل صدور الفتوى المقدسة بـ(6) ستة أشهر و(24) يوما ً قالت المرجعية العليا: (مشكلة ـ الإرهاب ـ أصبحت عالمية.. وبدأ المجتمع الدولي يعاني من خطورتها.. والعراق عانى من هذه المشكلة.. أن هذه القضية أصبحت قضية دولية ولا تخصّ العراق أو بعض الدول فحسب، بل أمست قضية تخصّ المجتمع العام.. لابدّ للمجتمع الدولي من إيجاد حلول جذرية وأن يبذل إمكانات كبيرة للقضاء على الإرهاب، وإلّا ستكون النتائج وخيمة ولا يُحمد عقباها؛ لأنها لا تستهدف جهة بل ستنتشر كثيراً كما هو يحصل الآن)(11).
وبهذا تكون المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, قد ألقت الحجة على جميع الأطراف (المحلية ولإقليمية والدولية) ووضعت الجميع أمام مسؤولياتهم القانونية والشرعية والأخلاقية والتاريخية, في ردع خطر تنامي موجات الفكر التكفيري والتنظيمات الإرهابية, سواء في الداخل العراقي, فنراها بهت الى أن مهمة مكافحة تلك القوى الإرهابية ـ الظلامية هي (مهمة وطنية) لا تقبل التجزئة, كونها لا تختص بطائفة دون أخرى أو بمكون دون آخر. أو لدول الجوار والمنطقة ولا سيما دول (الشرق الأوسط ) فنجدها نبهت الى (لا بُديّة) أن يكون هناك تكاتف بين الجميع, في سبيل ردع ومكافحة هذا الخطر المحدق بالجميع, وإلا ستتّسع تداعياته الخطرة لتشمل المزيد من الدول الإسلامية وغيرها. أو لدول العالم باعتبار أن مشكلة (الإرهاب) إنما أصبحت مشكلة (عالمية) ولابدّ من المجتمع الدولي أن يجد حلولا ً جذرية لمعالجة هذا الخطر, وحثّت الى أن يبذل الجميع إمكانات كبيرة للقضاء عليه, وإلّا ستكون النتائج وخيمة ولا يُحمد عقباها...
ـ ولكن (لا رأي لمن لا يُطاع)!.
.
ـ يتبع الجزء الأخير..
ـــــــــــــــــ
ـ الهوامش:
ـ(1) ـ خطبة جمعة كربلاء في 3/1/2014م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=141
ـ(2) ــ خطبة جمعة كربلاء في 30/ 12/ 2011م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=36
ـ(3) خطبة جُمعة كربلاء في 30 /11/2012م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=84
ـ(4) خطبة جُمعة كربلاء في 28/12/ 2012م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=88
ـ(5) ـ خطبة جمعة كربلاء في 4/ 1/ 2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=89
ـ(6) خطبة جمعة كربلاء في 11/1/2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=90
(7) ـ خطبة جمعة كربلاء في 26 /4/ 2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=105
ـ(8) خطبة جمعة كربلاء في 28/6/2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=114
ـ(9) خطبة جمعة كربلاء في 30/8/2013م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=123
ـ(10) خطبة جمعة كربلاء في 10/1/ 2014م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=142
ـ(11) خطبة جمعة كربلاء في 17 /1/2014م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=143