- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دماء زكية تُحققُ الاصلاح بسفكها
بقلم: حسن كاظم الفتال
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ـ هود / 88)
الإصلاح هو نقيض الفساد أو الإفساد. وهو من مبادئ ومجريات التهذيب والتقويم بل هو ركيزة مهمة ترتكز عليها منظومة المفاهيم الاساسية الرصينة والمتينة التي دعا إلى اعتمادها وتطبيقها الدين الاسلامي.
والإصلاح لعله يعني التقيد الإيجابي الواعي بمنظومة الأخلاق وتحسين السلوك والتزين بمبدأ الرشاد والاعتدال والاستواء والتوازن وضرورة الإلتزام بكل مبادئ ومعايير الاستقامة والسعي إلى التطبيق تطبيقا واقعيا جادا وذلك ما يرد من خلال اعتماد سياقات متعددة ومهمة ويتطلب إيلاء الرعاية والإهتمام التام بالتطبيق ليوفر للخير مساحة مجتمعية وافية يتنعم بها المجتمع. (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ـ هود / 117
إن الدعوة أو المحاولة أو السعي الحثيث لعمل الاصلاح وإشاعته وتعميمه كل ذلك يمكن أن يتم بوسائل واساليب ما هو ملموس وما هو محسوس.
وإدراك الاصلاح أيضا وملاحظته ومعايشته والإطلاع على مفرداته وأبعاده ومجرياته ونتائجه بعد صنعه كذلك يكون بين المحسوس والملموس. وكلما كانت الدعوة للاصلاح منبعثة من جوهر وصميم الإخلاص والنية الصادقة يصبح أكثر فاعلية وأقوى تأثيرا وشيوعا بالمجتمع وكلما كان أكثر تأثيرا ازدادت رقعة نشر الإصلاح ونسبته اتساعا وازداد المجتمع تمسكا بالإصلاح وتشوقا لديمومة تطبيقه.
الأنبياء رأس النفيضة لمسيرة الإصلاح
وقد بعث الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله من أجل تحقيق الإصلاح: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ـ هود / 88 لذا فقد صارت الدعوة إلى الاصلاح من أبرز وأهم أهداف ووظائف ومتبنيات الأنبياء والرسل ولعلها من أهم اسباب انبعاثهم حيث أن جل المجتمعات تعتقد بأنها بأمس الحاجة الدائمة للإصلاح الذي يكون في بعض جوانبه البوصلة التي ترشد إلى الاستقامة وتكريس وترسيخ كل معاني الرشد وإشاعة مبادئ مكارم الأخلاق والقضاء على العادات السلبية والسلوكيات الخاطئة وارشاد الأجيال والمجتمعات بالسبل والطرق والصيغ والسياقات السليمة التي تمهد لهم تأسيس حضارة إنسانية.
ويُعرَّفُ الاصلاحُ بانه ارجاع كل شيء إلى طبيعته أو إلى اصله الحقيقي الجوهري ولعل الدعوات التي تصدر لطلب الإصلاح وإقامته كثيرة.
إنما لا يحقق الإصلاح بشكله المثالي والمأمول إلا من هو صالح سرا وعلنا وباطنا وظاهرا بل هو أُس الإصلاح وأصله وفرعه بصيغه الذاتية والنفسية العازم على العمل فيه بأسلم وأتم أوجهه العملية.
سمات العزم على الإصلاح
والاصلاح باب واسع من ابواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعنوان يحفز على ترك المعاصي وتجنب الموبقات وفيه سلامة الدين والعقيدة.
لذا فقد جعل الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وآله الأسوة الحسنة والقدوة الكونية للدعوة إلى الإصلاح والعزم بإلحاح على تحقيقه ونشره وهو رسول الإنسانية والمبعوث رحمة للعالمين وهو مصلح رباني أنفرد بمنهجيته الإصلاحية الإنسانية وأشار لذلك بقوله صلى الله عليه وآله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) أي تصحيح المنظومة الأخلاقية وانقاذها من التردي وتثبيت أُطرها وجوهرها ومفاهيمها فهو سيد الإصلاح ومؤسس أعظم حضارة إنسانية حقيقية صادقة وبَنى خير أمة أخرجت للناس.
النبي محمد صلى الله عليه وآله رسول الإنسانية ومنقذ البشرية من الضلالة والجهالة هذا العظيم رائد الإصلاح والمشرع الأبرز لتعميم بنود دستوره الإصلاحي الداعي الأكبر والأعظم له لا يحسب أحد أنه سيترك ما جاهد من أجله من ذلك أن يغادر ويدعه سدى.
لابد له من وريث أو امتداد يواصل إدراج بنود دستوره الإصلاحي الإنساني العظيم. وهل ممكن أن يواصل الحرص على ديمومة المنهج إلا الإمام الحسين صلوات الله عليه؟.
لا ولم يمكن أن يمثله إلا روحه ونفسه بلحاظ قوله صلى الله عليه وآله (حسين مني وأنا من حسين) فليس إلا سبطه عليه السلام يمكن أن يطبق فعلا وحقا مبادئ الاصلاح وبصيغها الواقعية الصحيحة.
الحسين عليه السلام والإصلاح على تماس
لذا فهو صلوات الله عليه مزج إعلاناته القولية بالفعل والتضحية الحقيقية فضحى بكل ما يمكن أن يضحي به من أجل تحقيق ما يصبو إليه.
وإن أكبر شاهد على مصداقيته الإمام الحسين عليه السلام في صنع الاصلاح هو قوة الإرادة وصلابة العزيمة وبيان الإستعداد التام بكل رموزه وأنماطه والتضحية بكل اشكالها وأنواعها ومتطلباتها من أجل تحقيقه. لذا فهو أول صادق دعا للإصلاح وأول مطبق لشروطه وأول محقق لأهدافه حتى ولو بعد حين.
فمن أجل أن تعيش الأمة بكامل كرامتها وهيبتها ووقارها بشيوع ثقافة التكافؤ والتكافل والموازنة بين منح الحقوق وفرض الواجبات وإشاعة ثقافة المساواة بين المجتمع وترسيخ مبدأ العدالة المجتمعية والإنصاف وعدم الدعوة إلى تكميم الأفواه واحترام حقوق الإنسان وممارسة الحريات بمنطوقها الموضوعي والمنطقي الفاعل.
لذا فقد أنطلق سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه بكل ما يملك من قوة ذاتية وروحية إيمانية وإخلاص وصدق بارتباط بشريعة السماء ودعا لأن يحقق الاصلاح ويجعله شموليا لا يختص بمجتمع دون غيره.
مما يدعو للتأمل أنه يظهر أحيانا من يَدَّعي الإصلاح أو يطرح نفسه مصلحا وربما تلمس أن الاصلاح منه براء حيث أن الاصلاح لا يتحقق بالشعارات الزائفة أو بالأمنيات التي هي راس مال المفلس أحيانا أو بالمزاعم والإدعاءات الرنانة غير القابلة للتحقيق الحقيقي والشامل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)) ـ البقرة
اصلاح يتطلب إرساء دعائم متينة رصينة وهذه الدعائم تتمثل بالقدرات العقلية الضخمة والإرادة قوية والإخلاص والتجرد التام من الميولات والمساومات هذا ما يتطلبه عمل الاصلاح.
لذا فقد انجز الامام الحسين عليه السلام مشروعه الاصلاحي الحقيقي المنفرد المتميز وبذلك حقق هدف ووظيفة وأغراض كل الرسالات الإنسانية وكان صلوات الله عليه في مقدمة مشروعه المطالبة بالتحرر من الذل والعبودية إلا لله وحده والتمتع بحرية التعبير وإعطاء الحق في إبداء الرأي الصائب.
فهو صلوات الله عليه حين علم بأن إعلاء كلمة الحق بتحقيق الإصلاح وصناعته بأكمل وجه استلزم تقديم كل ما هو غالٍ ونفيس عزم على أن يسترخص العمر وقدم ما لم يقدمه أحد سواه لا من قبل ولا من بعد وحقق ما رغب في تحقيقه.
أقرأ ايضاً
- فاجعة الهارثة.. موازنات بـ"دماء" أطفالنا
- البيت الاولمبي العراقي بين التغيير والاصلاح
- الحسين (ع) ايقونة الاصلاح