بقلم:عباس الصباغ
لم تكن واقعة الطف الخالدة مجرد حدث تاريخي او سويعات من الزمن التحم فيها فريقان لكل فريق أيديولوجيته وهدفه ، ولم تكن كربلاء زمنكانا لمأساة لم تتكرر في التاريخ منذ بدء الخليقة الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، بل كانت كربلاء بتلك اللحظات الدامية ملخصا لتراجيديا كل العصور واختزالا لآلام جميع البشر وعذاباتهم وكانت كربلاء ملحمة قلّ نظيرها كان فيها الامام الشهيد قطب الرحى ولم تنفع تحذيراته للقوم حين خاطبهم (انسبوني من انا) حين تجرأوا على تجاوز جميع الخطوط الحمر المرتبطة بالرسالة وامتدادها ، وهو الذي لم يخرج الاّ طلبا للإصلاح كما اعلن عن ذلك المشروع منذ ان باشر به حين خروجه من مدينة جده ومنذ ان لخّص ذلك المشروع في رسالته الى شقيقه محمد بن الحنفية "رض" ( وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي) حين رأى الامام الشهيد ولمس لمس اليد ان مواطن الخلل البنيوي كامن في جميع مفاصل الدولة واطناب المجتمع ابتداء من مؤسسة الخلافة والاتيان بالرجل غير المناسب في المكان المناسب حين تحولت تلك المؤسسة من مركز يشغله النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعده الخلفاء الراشدون وبمشورة كبار الصحابة الكرام وعليتهم الى مركز يشغله صبي يتلاعب بالقرود وتسيطر عليه حاشية السوء من المرتزقة والاجانب وكانت كل الامور السياسية والمجتمعية تسير الى الواء اي الى عصر الجاهلية الاولى وضياع الجهود والتضحيات التي بذلها الرسول (صلى الله عليه وآله) وصحابته الكرام .
وحين قام الامام الشهيد بثورته كانت الدولة التي شيّدها النبي ومن معه بتضحياتهم وعرقهم ودمائهم وصبرهم تعيش في الحضيض في كل شيء فالإصلاح الذي نادى به الإمام الشهيد كان إصلاحا شاملاً ولذلك نعتبر أنَّ الحسين (عليه السلام) لم يخرج محارِباً بمعنى أنّ هدفه كان الحرب بل خَرَجَ مُصْلِحاً، وداعية للحقّ، وثائراً لتغيير المجتمع والواقع فجوهر ثورته في الاصلاح كان شموليا أي سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا وتربويا وقيميا وثورته الهادرة لم تكن ثورة انفعالية، ولا حركة عشوائية، ينقصها الوضوح في الرؤية والقصور في تحديد الأهداف والغايات، بل كانت ثورة واعية لها رؤيتها الواضحة، وأهدافها المحددة، فكانت تضحياته الجسيمة في زمنكانها ولم تذهب سدى وستبقى الثورة الحسينية بكل معانيها السامية مهما كانت الظروف والتحديات التي تعيشها الأمة ، محركا ودافعا نحو الخروج على الممارسات المنحرفة وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والقيمية التي تعصف بمفاصل الدولة، وهياكل المجتمع وكان على رأسِ ما أَرادَ الحُسين إِصلاحُهُ في مشروعهِ الرّسالي ونهضتهِ الربانيّة هو الانسان اولا ، فاذا صَلُح الانسانُ صَلُح كلّ شَيْءٍ من حولهِ.
لقد قدَّم الحُسين نماذج تُحتذى من المُصلِحين ابتداء من نفسه الشريفة ورفاقه الميامين وعلى مُختلف الصُعد، العقديّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والتربوية والقيمية فكان الحسين مدرسة شاملة للإصلاح وسيبقى ايقونة للاصلاح الشمولي في كل مناحي الحياة .