حزمة من الملفات الإدارية والفنية يناقشها الوفد العراقي برئاسة وزير النفط حيان عبد الغني منذ يومين في إقليم كردستان، لإعادة تصدير النفط عبر منفذ جيهان التركي، وبحسب مراقبين وخبراء فإن الحكومة الاتحادية تبدو جادة في حسم هذه الملف أكثر من أي وقت مضى، وفيما كشفوا أن أهم النقاط التي يجري التفاهم بشأنها تتعلق بكلفة النقل ومستحقات الشركات، أكدوا أن الإقليم تفاعل مع الوضع الجديد لإدارة تصدير النفط، مع حيازته منصب معاون مدير شركة سومو.
وتوقف تصدير 450 ألف برميل يومياً من إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي - التركي في 25 آذار 2023، بعدما أصدرت غرفة التجارة الدولية في باريس، حكمها لصالح بغداد في قضية تحكيم أقامتها الأخيرة ضد أنقرة التي كانت تدير اتفاقا مع حكومة كردستان لتصدير النفط.
ويقول الباحث في الدراسات الاستراتيجية كاظم ياور، إن "قانون الموازنة أقر أن تصدير النفط أصبح بيد الحكومة الاتحادية وشركة سومو حصرياً والإقليم سلّم بهذا الأمر، فلا مبرر قانونيا أو دستوريا لعقد اتفاق جديد حول تصدير النفط من الإقليم عبر جيهان التركي، لكن الوفد العراقي في أربيل يحاول رسم سياسات وتفاهمات جديدة للتصدير من وهي بحاجة إلى مزيد من المراجعة واللقاءات بين المسؤولين".
وحول ما يعيق إعادة التصدير، يشير ياور إلى أن "هناك بعض القضايا العالقة كالملفات القضائية المتبقية بين العراق وتركيا، وهذا الملف لم يحظ بإدارة جيدة تقوم بتصفير هذه القضايا لاسيما أن التصدير متوقف منذ ستة أشهر والعراق وتركيا والإقليم جميعهم متضررون، فالعراق ربط ملف التصدير بالمبالغ المالية التي بذمة تركيا، لكنه خسر أضعافا نتيجة توقف تصدير النفط".
ويضيف أن "زيارة السوداني إلى أربيل والتفاهم حول بعض الأمور الفنية والتمهيد لزيارة الوفد العراقي ممثلا بوزير النفط ولقائهم مع المسؤولين الكرد، هي دلالات على أن العراق يريد تصدير النفط مجددا من الإقليم عبر تركيا"، مشيرا إلى أن "من الخطأ أن النزاع مع تركيا يوقف إنتاج النفط، فهي أرض ناقلة لا أكثر، والنفط العراقي مرتبط بشركات أوربية وسوق عالمية، لكن هذه الجزئية غائبة حتى الآن في المشهد السياسي العراقي".
وعما إذا كانت هناك شروط للإقليم، يفيد بأن "التصدير قد صوت عليه في قانون الموازنة على أن يكون حصرا عن طريق شركة سومو، لكن الإقليم اتفق على أن يتم تعيين نائب مدير عام الشركة سومو من قبله، وهو شخص كردي قريب من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذه التفاهمات أدت إلى أن يكون هناك استقرار".
ويشير إلى أن "شغل المناصب الإدارية والحكومية في العراق لا بد أن يخضع لتفاهمات سياسية، وتعيين شخصية كردية قريبة من الحزب الديمقراطي، من المؤكد أنه كان وفق تفاهمات سياسية، لكن لا اعتقد أن دوره سيكون مؤثرا فقرار التصدير والإنتاج مازال بيد الحكومة الاتحادية"، لافتا إلى أن "الآبار والحقول النفطية تسيطر عليها وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم وهي من تدير البنية التحتية لحقول النفط، لذلك فالحكومة الاتحادية لا تستطيع تصدير النفط بقرار شفهي فقط، فهي بحاجة إلى أمور فنية وإدارية إضافة إلى الجانب الأمني وهذا لا يتم دون الاستعانة بوزارة الموارد الطبيعية في كردستان".
وعن أبرز المحاور التي يبحثها الآن الوفد العراقي، يكشف أن "هناك جوانب فنية تتعلق بكلفة أنبوب نقل النفط التجاري الجديد، لأنه يعود لشركات دولية ومحلية تشترك فيه، وليس للعراق، فالأنبوب القديم الذي كان يربط كركوك بجيهان استهلك ولم تتم صيانته وإعادته من جديد، لذلك هناك كلفة من 6-7 دولارات عن نقل كل برميل، لكن الحكومة الاتحادية ترفض هذه الكلفة، وتريد أن تدفع دولارا أو أقل كما هو الحال في البصرة، غير أن الحكومة الاتحادية ستقبل بتسوية معينة لأن منافع إعادة تصدير النفط كبيرة".
وكان وفد من وزارة النفط الاتحادية برئاسة الوزير حيان عبد الغني وصل إلى أربيل صباح أمس الأحد، وأجرى محادثات مع المسؤولين في الإقليم حول مشكلة نفقة إنتاج النفط وإجراءات استئناف تصدير النفط عبر منفذ جيهان، ومن المتوقع أن تستغرق الزيارة من يومين إلى ثلاثة أيام.
وأصدرت المحكمة الاتحادية، في منتصف شباط 2022، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية.
ووقعت الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان اتفاقهما النفطي المؤقت في نيسان الماضي الذي يشير إلى إنهاء تصدير النفط على نحو مستقل من قبل الإقليم، على أن تكون شركة "سومو" المملوكة للدولة، هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة صادرات الخام عبر ميناء جيهان.
من جانبه، يرى الخبير في شؤون النفط والطاقة كوفند شيرواني، أن "زيارة الوفد الاتحادي برئاسة وزير النفط حيان عبد الغني هذه المرة جادة ومهمة، لاسيما أنها تضم عددا كبيرا من المسؤولين الإداريين والفنيين في وزارة النفط، وبعد الإعلان أن الوفد سيبقى ليومين أو ثلاثة، فإن هذا يعكس توجها جادا وحثيثا للانتهاء من الترتيبات والتفاصيل الفنية والمالية لمعاودة التصدير".
وكما يقول شيرواني، فإن "استئناف ضخ النفط عبر جيهان يحتاج إلى اتفاقات للجوانب المتعلقة بالنقل، فهي مرتبطة بالتصدير، كما أن أكثر النقاط التي ستناقش هي كيفية تحديد المستحقات المالية للشركات الأجنبية العاملة في الإقليم وفق استحقاقاتها".
وحول ما يتعلق بالجانب التركي، يتابع أن "إعادة التصدير تتطلب الاتفاق على جانبي الحدود، وكانت هناك اتصالات مع الجانب التركي، فالأخير غالبا ما يصرح بأنه جاهز، لكن حتى الآن ليس هناك اتفاق موقع، فوزارة النفط تسعى للعودة إلى الاتفاقات التي كانت سائدة قبل شروع الإقليم بالتصدير، وهي الاتفاقات التي كانت تحكم التصدير منذ السبعينات، وآخرها كان في 2010، لكن الجانب التركي يفضل أن يعود إلى الاتفاقات والعقود التي أبرمها مع الإقليم، ومن الممكن التوصل إلى حالة وسطية تكون مرضية الطرفين".
ويخلص خبير الطاقة إلى أن "أهمية إعادة التصدير عبر ميناء جيهان كبيرة، لأنه أفضل منفذ لتسويق النفط العراقي إلى الأسواق الأوربية، كما أن المنفذ له القدرة على استيعاب مليون برميل يوميا على الرغم من أنه كان ينقل 400 ألف برميل فقط، وبالتالي يمثل منفذا احتياطيا مستقبليا لأنه الوحيد القابل للزيادة، لذا من الضروري أن يبقى هذا المنفذ سالكا وفي حالة عمل مستمر".
وبحسب تقارير صحفية، تواجه إعادة فتح الخط الذي يضخ النفط العراقي إلى أوروبا تعقيدات كبيرة تتمثل باشتراطات تركية ورفض عراقي، إذ لم تنجح الدبلوماسية في حلحلة هذه الأزمة على الرغم من الإعلان المتكرر عن قرب ضخ النفط عبر هذا الخط، والزيارات المتكررة لمسؤولي البلدين.
وكشف خبراء ومراقبون أن تركيا تريد العودة إلى "ما قبل خسارة الدعوى" لتستأنف فتح الخط، لكن العراق يصر على المواقف الجديدة التي فرضها كسبه للدعوى وعدم التنازل عن التعويض الذي يتحمله الجانب التركي، من أجل المناورة به والتفاوض بأوراق أخرى كملف المياه والتواجد العسكري التركي في أراضيه، ويأتي هذا في إطار معادلة اقتصادية خاسرة للبلدين وامتعاضا دوليا غربيا جراء عدم تدفق النفط عبر هذا الخط.
وكان وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، زار العراق في آب أغسطس الماضي، وأجرى مباحثات مع نظيره العراقي فؤاد حسين حول مسألة تصدير النفط من خلال الأنبوب الممتد من كردستان العراق إلى ميناء جيهان، لكن دون التوصل إلى حل.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟