- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حقوق العراق المكتسبة في مياه نهري دجلة والفرات
بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
يعدّ الماء عصب الحياة ولا يمكن العيش بدونه للإنسان وكافة الكائنات الحية، كونه العنصر الأساس للأمن المائي المرتبط مباشرة بالأمن الغذائي لافراد المجتمع وهما من اركان الأمن القومي للدولة.
وتقسم الأنهار الى قسمين؛ الأنهار الوطنية وهي التي تقع كاملة داخل اراضي الدولة الواحدة من منبعها الى مصبها وتخضع لسيادة الدولة ولا يمكن اجبارها على استغلال مياهها او الملاحة فيها من الاغيار الا بموافقتها ووفقا لاتفاق مسبق معها. والانهار الدولية وهي المجرى النابع من دولة معينة وتمر في دولة او دول اخرى، وتكون على نوعين الاول هو النهر المتعاقب والذي يمر باكثر من دولة واحدة ومن ذلك دجلة والفرات والنيل وغيرها، والنهر المتاخم وهو الذي يقع حدا فاصلا للحدود بين دولتين، بحيث تكون كل دولة على ضفة منه ومن ذلك شط العرب.
ويعاني العراق في السنوات السابقة من شحة غير مسبوقة في مياه نهري دجلة والفرات ووفقا للتوقعات (مؤشرات الإجهاد المائي) فإن ملامح الجفاف الشديد والملوحة سوف تكون واضحة المعالم عام ٢٠٢٥ كما ان العراق سوف يكون بحلول عام ٢٠٤٠ أرضا بلا أنهار، وذلك يعود لأسباب طبيعية والمتمثلة بظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع بدرجات الحرارة وخاصة في الشرق الاوسط والمتغيّرات المناخية الحاصلة فيه. واسباب داخلية تتمثل بسوء التخطيط وعدم الاستخدام الامثل للمياه دخل العراق وعدم اتباع الطرق الناجعة في الحفاظ على الثروة المائية وعدم اتباع الطرق الفنية الحديثة في المحافظة عليها، اضافة للعوامل الخارجية المتمثلة بالسياسة المائية المتبعة من قبل دول الجوار وتحديدا دولة المنبع (تركيا) بغية تحقيق مصالحها على حساب الدول الاخرى.
ولم يكن العراق يعاني من شحة المياه حتى السبعينيات من القرن الماضي عندما بدأت تركيا ببناء السدود والخزانات على النهرين لحجب المياه عن الدول المتشاطئة معها ومن ذلك سدود كيبان وقرقايا واتاتورك واليسو وغيرها اضافة الى حصرها في البحيرات الصناعية واستغلالها في توليد الطاقة الكهربائية وسقي الاراضي بمساحات شائعة وحتى المتاجرة فيها بيعا للغير وإضرارا بالاخرين بحيث اصبحت حرب المياه هي السارية في القرن الحالي بعدما كانت حرب النفط هي القائمة سابقا.
ورغم اضفاء الصفة الدولية على نهري دجلة والفرات وخضوع التصرف بمياههما وفق احكام وقواعد القانون الدولي ومع ذلك فأن السلطات التركية تدعي كون النهران يعودان لها بشكل مستقل ولها حرية التصرف بالمياه بصورة مستقلة عن باقي الدول وذلك من خلال التلاعب بتفسير القواعد القانونية واعتبار نهري دجلة والفرات ليسا بنهرين دوليين بل هما حوض واحد ومن المياه العابرة للحدود ولا يخضعان لقواعد القانون الدولي وبادرت الى طرح فكرة الاستخدام الامثل للمياه من خلال دراسة نوع التربة لتلك الدول وتحديد انواع المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها دون غيرها في تلك الدول، وذلك ما يرتب آثاره السلبية والحاق الضرر بالدول الأخرى وخاصة العراق.
إن فض المنازعات المائية بين الدول المتشاطئة انما يتم عبر الطرق السلمية ومن ذلك المعاهدات الدولية ومن اهمها قواعد هلسنكي لاستخدام المياه والانهار لسنة ١٩٦٦ والمكونة من (٣٧) مادة والمتضمنة ان حق الدولة على نهر دولي ينبع او يجري في اقليمها هو حق يخضع لاحكام وقواعد القانون الدولي ،وان حق الدول في التحكم بالنهر مشروطة بعدم تأثيره على حقوق الدول المتشاطئة على الحوض والالتزام بعدم الحاق الضرر بالدول الأخرى، اذ تكون الدولة مسؤولة عن الاضرار التي تلحق باقي الدول وفق أحكام وقواعد القانون الدولي والتي يمكن تفاديها ببذل جهد معقول كقطع المياه او تلويثها، كما ان لكل دولة متشاطئة الحصول على حصة عادلة ومعقولة من المياه من خلال التقسيم العادل لها. وكذلك اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية للاغراض غير الملاحية لسنة ١٩٩٧ والمكونة من (٣٣) مادة والتي اشارت صراحة الى الانتفاع والمشاركة المنصفة والمعقولة للمياه، والالتزام بعدم التسبب بأي ضرر جسيم للدول المتشاطئة والتبادل المنتظم للمعلومات والبيانات للمياه بينها.
ورغم وجود العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات بين العراق وتركيا ومن اهمها اتفاقية لوزان المبرمة بين دول الحلفاء وتركيا عام ١٩٢٣ والتي نصت صراحة في المادة (١٠٩) منها على وجوب عقد اتفاق بين الدول المعنية للمحافظة على الحقوق المكتسبة وذلك عندما يعتمد النظام المائي على الاعمال المنفذة في اقليم دولة اخرى ، واتفاقية الصداقة وحسن الجوار المبرمة عام (١٩٤٦) والبروتوكولات الستة الملحة بها ، حيث اشار الاول منها صراحة الى موضوع جريان نهري دجلة والفرات وحق العراق في تنفيذ اية انشاءات او اعمال على النهرين تؤمن انسياب المياه بصورة طبيعية في الاراضي العراقية ، اضافة الى محضر الاجتماع المنعقد بين الدولتين عام (١٩٨٣) والمتضمن تشكيل لجنة مشتركة لدراسة المواضيع المتعلقة بالمياه ،ومذكرة التفاهم المنعقدة سنة (٢٠١٤)، والبروتوكول المنعقد عام (٢٠٢١) لتوزيع مياه نهر دجلة،الا ان الجانب التركي لم يلتزم بها جميعا لاسباب سياسية واقتصادية وامنية.
ان معالجة شحة المياه في العراق حاليا انما يوجب تكثيف الجهود الدبلوماسية من قبل وزارة الخارجية تجاه تركيا والاستفادة من الجانب الاقتصادي كوسيلة ضغط تجاه الجانب التركي بغية ابرام اتفاقية بين الطرفين تضمن حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات سيما ان لتركيا تبادل تجاري واسع مع العراق يدر عليها بمبالغ مالية عالية لايمكن الاستهانة فيها اضافة الى اعادة النظر بالسياسة المائية الداخلية وتغيير طرق الري التقليدية بالطرق الحديثة وترشيد الاستهلاك المائي فيها، والتقليل من زراعة المحاصيل الزراعية ذات الاستهلاك المائي العالي مثل الشلب وقصب السكر، وتشريع القوانين المائية بما ينسجم مع هذه المرحلة وفرض العقوبات الرادعة بحق المتجاوزين على الانهر وشبكات الري مع الاستفادة من المياه الجوفية داخل الأراضي العراقية بغية التخفيف من شحة المياه.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- اكذوبة سردية حقوق الانسان