- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة - الجزء الاول
بقلم: القاضي وائل ثابت الطائي
تمهيد:
لا بد من التنويه ابتداءً إن موضوع هذه المقالة يعتبر جديداً في طرحه فهو مستقى من موضوع بحث لأطروحة دكتوراه قُدمت إلى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في طرابلس – لبنان من قبل الباحثة الدكتورة كاميليا حلمي محمد وقد نالت بموجبها شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز، وقد جمعت هذه الأطروحة في كتاب حمل ذات العنوان (المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة).
فقد أخذت هذه الأطروحة أهميتها من موضوعها لذلك وصفت بأنها أخطر دراسة قُدمت في هذا الشأن وقد استطاعت الباحثة الكشف عن الأساليب القانونية لهدم الأسرة من خلال ما تضمنته أحكام المواثيق الدولية التي تشكل في مجموعها المنظومة القانونية الدولية لحقوق الإنسان، وبكل تأكيد إن النتائج التي توصلت إليها الباحثة إنما تشكل ناقوس خطر نظراً لما استشرفته وتوصلت إليه لما يراد لمؤسسة الأسرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تفكيك وانقسام من خلال عدة أساليب متنوعة ومختلفة، فقد حاولنا في هذا المقالة الموجزة الوقوف على ما توصلت إليه الباحثة من معلومات وما توقعته من نتائج مع إضافة وعرض أفكارنا وانطباعاتنا عن هذه الظاهرة, وسيكون عرضنا للموضوع من خلال المحاور الآتية:
المحور الأول/ المقصود من مصطلح المواثيق الدولية
إن القوانين تصنف إلى عدة تقسيمات بحسب المعيار المتبع في التصنيف، فإذا نظرنا إلى مصدر تشريعها ونطاق تطبيقها يمكن أن نقسمها إلى قوانين داخلية وقوانين دولية, أما القوانين الداخلية هي التي تُشرع من قبل السلطة التشريعية في الدولة وتطبق على رعاياها ضمن حدود ونطاق إقليمها وتُعنى بتنظيم كافة الجوانب الحياتية للأشخاص على المستويين المدني والجزائي، أما القوانين الدولية فهذه القوانين تُشرع من قبل المنظمات الدولية أو عبر اتفاقات ومعاهدات تٌبرم بين مجموعة من الدول ويكون نطاق تطبيقها أوسع من القانون الداخلي.
إن ما يدخل ضمن مصطلح المواثيق الدولية هو ما يصدر من الأمم المتحدة من قواعد واتفاقيات وما تُبرم من معاهدات بين الدول الأعضاء ومنها ما يتعلق بالأسرة والطفولة والإنسان بشكل عام ومن ذلك لائحة حقوق الإنسان، قواعد الأمم المتحدة الدُنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث المشهورة بـ (قواعد بكين)، اتفاقية الرياض وغيرها.
إن هذه المواثيق الدولية تعتبر ضوابط عامة ينبغي على الأعضاء في الأمم المتحدة أن تسترشد بها عند إصدار التشريعات الخاصة في كل دولة في ما يتعلق بالمواضيع المشار إليها سابقاً وإن هذه القواعد في مجملها تعتبر محاولة جادة لصياغة أهداف وأسس ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار في التشريع الوطني، وللأمانة إنما حوته هذه المواثيق من أحكام في كثير من موادها تعود بالفائدة لمعالجة مشاكل موضوع التشريع ولكنها تحمل في طياتها بعض نصوص قانونية أو فقرات نجد فيها مخالفة لثقافات وعادات وتقاليد وطبائع وسلوكيات وتشريعات تطبق في مجتمعاتنا لهذا لا يمكن الأخذ بها أو اعتبارها أهدافا وأسسا ينبغي التقيد بها، وإن ما جاء بأطروحة الدكتوراه المنوه عنها إنما تدخل في هذا الاستثناء ونظراً لكونه استثناءً خطيراً ماساً بمؤسسة الأسرة فينبغي الالتفات إلى هذه الأحكام وعدم التقيد والعمل بها من خلال فرض نصوص قانونية حاكمة ضمن نطاق الدولة الواحدة.
المحور الثاني/ المسارات المتبعة في هدم الأسرة
يُمكن تلخيص المسارات المتبعة في عملية هدم الأسرة بالمسارين الآتيين:-
المسار الأول : صرف الشباب عن الزواج:
وهذا المسار يتضمن النقاط الآتية:-
1- منع الزواج أو الحيلولة دون انتشاره: يعتبر الزواج الحصن الحصين للشاب والشابة والذي يعمل على وقايتهما وتهذيب سلوكهما وأخلاقهما، وقد عملت أحكام المواثيق الدولية على صرف فئة الشباب عن الزواج والحيلولة دون إقدامهم على الارتباط ومنع إنشاء أسرة جديدة من خلال عدة إجراءات ساهمت بشكل أو بآخر في التضييق على محاولات الزواج عبر ممارسة ضغوط اقتصادية واجتماعية وثقافية للحيلولة دون الزواج الشرعي، بشكل عام, والحيلولة دون الزواج المبكر، بشكل خاص، حيث استخدمت هذه المواثيق أسلوب المطالبة برفع سن الطفولة وفي الوقت ذاته رفع سن الزواج في معادلة أريد منها استحالة قانونية، ففي معظم الدول يكون السن القانوني للبلوغ الثامنة عشر سنة كاملة وقد أُريد وأُقترح رفع هذا السن إلى الواحدة والعشرين عاماً وهذا يعني الحيلولة دون الزواج والبقاء على العزوبية وما يترتب عليها من نتائج سيئة وقد ساهم هذا الوضع في عدم قدرة الشباب على الزواج في ظل هذا المانع القانوني.
2- إشاعة الممارسات الجنسية اللاشرعية: في مقابل الابتعاد عن الزواج هناك تشجيع للممارسات الجنسية غير الشرعية والغير أخلاقية والتي تحصل خارج نطاق القانون والشرع والعرف وتُمثل مخالفة صريحة للقيم والمبادئ والأخلاق الاجتماعية التي تربى عليها أجيالنا خصوصاً في المجتمعات العربية وفي المجتمعات الإسلامية.
3- استقلال الفتاة: من الأساليب الأخرى تحديد السن القانونية لاستقلال الفتاة عن أهلها والإتاحة لها بممارسة علاقات غير مشروعة من خلال الخروج وعدم المشاركة في السكن مع أهلها واستقلالها في سكن آخر.
4- الاعتراف بأبناء الزنا: منح أبناء الزنا حق النسب والبنوة حالهم حال الأبناء الأصليين الشرعيين ودون تميِّز في الحقوق مما أدلى إلى خلق تصدعات اجتماعية داخل محيط الأسرة.
6- نشر الثقافة الجنسية: تعميم البرامج الصحية المعنية بنشر الثقافة الجنسية بكل أشكالها وبكل الأعمار دون تحفظ لما يؤدي إلى خلق شخصية غير سوية تسعى إلى تحقيق رغباتها وشهواتها الجنسية دون أي رادع إضافة إلى ذلك مساعدة هؤلاء بتوفير العوازل الطبية (موانع الحمل) بأسعار رمزية يستطيع أي شاب أو شابة الحصول عليها بسهولة.
7- تشجيع الإجهاض: ذهبت هذه المواثيق إلى تشجيع حالات الإجهاض وتيسير طرقه القانونية وتوفير مناخاتها الصحية، حتى أصبحت قضية الأولاد غير الشرعيين ظاهرة متفشية في مختلف دول العالم.
8- نشر الدعارة وإباحتها: ولعل أخطر الأساليب المتبعة هو نشر الدعارة في المجتمعات باعتبارها نوعا من أنواع العمل وبغطاء قانوني وهذا يؤدي إلى نشر الفاحشة من جهة واكتساب المال الحرام من جهة أخرى.
9- نشر الشذوذ الجنسي: ومن الأساليب الأخرى إباحة الشذوذ الجنسي ونقصد به الزواج المثلي اللواطة والمساحقة وتغيير الجنس وغيرها من الأساليب المحرمة شرعاً وقانوناً ومنح الهوية الجندرية التي تضفي الصفة القانونية لكل هذه الممارسات الشاذة وتعمل على الخلط بين الأجناس، مع المطالبة من خلال هذه المواثيق بأن يتمتع أصحاب الشذوذ بحقوق لهم عبر تأسيس مجموعات أممية للشواذ تتخطى حدود الدولة الواحدة.
المسار الثاني : هدم الأسرة القائمة:
نهجت هذه المواثيق، من أجل أضعاف البنية الاجتماعية وتحطيم الأواصر الأسرية، من خلال القيام بالآتي:
1- تشجيع استقواء المرأة: من أجل فصل منظم لطبيعة العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة في صورتها العربية الإسلامية عملت هذه المواثيق على تشجيع استقلال المرأة واستقوائها والتوجه نحو استغنائها عن الرجل عبر تشريعات تضمنت أحكام لتحقيق هذه الغاية، وهذا ما يؤدي إلى تغيير جوهري في الأدوار الفطرية الممنوحة لكل واحد منهما داخل الأسرة أو خارجها ضمن أطار التعايش الاجتماعي ضمن هذه المؤسسة.
2- المساواة التامة بين الذكر والأنثى: من خلال شعارات مزيفة تحت مظلة الحرية والاستقلال عملت هذه المواثيق إلى دعم المساواة التامة بين الذكر والأنثى.
3- إسقاط حق استئذان الولي: في محاولة لإبعاد أفراد الأسرة عن بعضها البعض وخصوصاً الأولاد عن أولياء أمورهم هناك محاولة لسحب سلطة الولي في محاسبة وضبط أولاده من خلال عدم إعطاء الحق في محاسبتهم.
4- توظيف عدد من المصطلحات لنشر ثقافة الهدم: سعت هذه المواثيق إلى نشر مجموعة من المصطلحات البراقة من قبيل التمييز والعنف الأسري أو العنف المبني على الجندر والتي تركز على الفوارق بين الجنسين أو بين الشواذ وغيرهم باعتباره عنفاً وتمييزاً عنصرياً.
5- تشجيع استقواء الطفل عن والديه: تسعى الأسر إلى حماية أطفالها والمحافظة عليهم من كل المخاطر والعمل الجاد على خلق بيئة اجتماعية لتستطيع تربيتهم على قيم صحيحة وعادات مستقيمة وفق أساليب الرفق وبعيداً عن أساليب العنف وهذا هو الأسلوب الاجتماعي في التربية إلا إن المواثيق الدولية تريد أن تخلق روح التمرد لدى الأولاد من خلال أضعاف سيطرة الآباء عليهم تحت وطأة التهديد بما يعرف بنظام الأسرة البديلة المعروف به في الغرب الذي مضمونه سحب الطفل من العيش داخل أسرته الأصيلة وإتاحة له فرصة العيش مع أسرة أخرى غير ذات رحم تختلف في عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها وأساليب عيشها عن الأسرة الأم وهذا يردي بالنتيجة إلى خلق حالة التمرد لدى الأولاد من جهة وزعزعة العلاقة مع آبائهم وأمهاتهم وإعطاء فرصة لخلق جيل ممسوخ عن أخلاق وقيم آبائه وأجداده.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة