قبل بداية كل شهر، ومنذ مدة طويلة، يقرأ العراقيون عناوين أخبار عن قائمة تسعيرات لأمبير المولدات الأهلية، تصدرها الحكومة، لكنّها تبقى عناوين فحسب، فتطبيقها يحتاج إلى تجاوز مشكلات عدة، أبرزها، حصص الوقود التي تمنحها الحكومة إلى أصحاب المولدات، و"تزمت" بعضهم في تسعيرات، يركلون من خلالها قرارات الحكومة، ليبعدوها عن طريقهم.
المعاناة لا تقتصر على الأهالي الذين يغذّون منازلهم بالطاقة الكهربائية من المولدات الأهلية فحسب، بل حتى أصحاب الأخيرة، لهم معاناة تتكرر شهرياً، بعضها تودي بحياتهم، وذلك يحصل حينما تتفاقم مشكلاتهم مع بعض الأفراد الذين يستخدمون السلاح بالنزاعات، ويطلقون الرصاص ليستقر في قلب أو رأس صاحب المولدة الذي خالفهم.
"شدة الحرَّ في العراق، تخرج المواطن عن المنطق عادةً، وتدفعه إلى ارتكاب حماقات لا تُوصف، فحينما يعود إلى المنزل، ويجده من دون كهرباء توفرها الحكومة، ولا صاحب مولدة يراعيه بالسعر، يخرج عن طوَّره، ويصبُّ جام غضبه على أقرب شخص منه، وهذا الأمر تتحمله الحكومة"، بهذه الكلمات عبّر المواطن عادل محمود (40 سنة) من بغداد، عن معاناة العراقيين يومياً.
ويقول محمود ، إن "كل صيف يشهد زيادة ولو نسبية بسعر الأمبير، وعند تقديم الشكوى، تبقى على حالها لا أحد يأبه لها"، مضيفا: "حين نحتّج على صاحب المولدة الذي رفع تسعيرته، يهددنا بقطع الكهرباء عن المنزل، وعندما نفكّر بتحويل الخط إلى صاحب مولدة آخر، نجد السعر نفسه، والأسلوب كذلك".
معاناة وخسائر ورشى
وحين انتقلنا إلى أصحاب المولدات، وجدنا عندهم معاناة أخرى، تتمثل بنقص تجهيزهم في الحصة الوقودية، التي قالوا عنها إنها لا تكفيهم، وإذا ما التزموا بتسعيرة محافظة بغداد، فإنهم سيتكبدون خسائر فادحة، حسب ما قال علي الدراجي (35 سنة)، أحد أصحاب المولدات في بغداد.
الدراجي يؤكد "نحن لا نلتزم بالتسعيرات الحكومية للأمبير، لأنها لا تتناسب مع حجم الحصص الوقودية التي تمنحها الحكومة إلينا، فصاحب المولدة، يصل صرف وقوده إلى 20 ألف لتر في بعض الأشهر، والحكومة تمنح من 3 إلى 5 آلاف لتر في كل شهر، وهنا الفارق يصبح كبيراً جداً بالسعر".
وكما هو الحال في مختلف مفاصل الحياة داخل العراق، فإن الرشوة تكون حاضرة لمنع محاسبة ممن لا يلتزمون بالتسعيرة، هذا ما يؤكده علي، الذي شرح كيفية مراقبة أسعارهم بالقول: "تذهب الفرق الجوّالة إلى مختارالمنطقة التي فيها مولدات أهلية، وهو بدوره يجرد أصحابها ويذهب إليهم ويسألهم عن سعر الأمبير، وهم بدورهم أيضاً، يدّعون بأن سعر الأمبير مقارب لتسعيرات الحكومة، قبل أن يرشونه بمبلغ بسيط، ليثبت ادّعاءهم في رد الجواب إلى الجهات الرقابية".
ويضيف علي: "في بعض الأحيان، تأتي دوريات الشرطة إلى أصحاب المولدات للاستفسار عن التسعيرة ومحاسبة المخالفين، لكن بعض أفرادها يُرتشون بمبلغ من المال، وينصرفون دون أن يحاسبوا المخالفين، لكن في مرات عدة، تقوم الأجهزة الأمنية بجولات مفاجئة، وتحتجز (مشغّل المولدة) لحين حضور صاحبها، ويتم الزجَّ به في السجن، بسبب مخالفته".
ويطالب علي بـ"زيادة الحصة الوقودية، التي ستجبر أغلب أصحاب المولدات الأهلية على الالتزام بالتسعيرات التي تحددها الحكومة، كما أن استقرار منظومة الطاقة، تقلل من خسائرنا"، مستذكراً، ارتفاع أسعار الوقود وتذبذبها، قائلاً إن "بعض أصحاب المولدات الأهلية، تركوا هذا العمل، بسبب الخسائر المتواصلة".
تسعيرات على الورق
ومع كل موجة حر في الصيف، وأخرى باردة في الشتاء، تغيب الكهرباء عن الأهالي، وهي السبب الأبرز بخروجهم إلى التظاهرات، فعلى الرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت على هذا القطاع، إلا أنه بقي من دون حل، وكل حكومة تتولى مهامها، تتعهد بأن يكون الصيف في حقبتها، مختلفاً عن السابق.
هذه المشكلة القائمة، أظهرت المولدات الأهلية، التي تغذّي منازل المواطنين بالكهرباء، حين تنقطع الواردة من الحكومة، ويكون تشغيلها من 12 ساعة يومياً إلى 24 ساعة، وهو ما يسمّى بـ "الخط الذهبي"، والذي سعّرته الحكومة لشهر أيار الحالي بثمانية آلاف دينار فقط، لكنه في بعض المناطق يتراوح ما بين 10 إلى 15 ألف دينار.
محافظة بغداد، حددت التسعيرات لشهر أيار الحالي كالتالي: "التشغيل العادي من الساعة 12 ظهراً إلى الواحدة ليلاً سيكون بـ4 آلاف دينار فقط، والتشغيل الليلي من الساعة 12 ظهراً إلى السادسة صباحاً بـ6 آلاف دينار فقط، أما التشغيل الذهبي 24 ساعة فتم تحديد سعره بـ8 آلاف دينار".
ومع هذه التسعيرات، يقول معاون محافظ بغداد قيس الكلابي، إن "المحافظة شددت على الوحدات الإدارية التابعة لها، بالالتزام التام في جميع التعليمات والتوصيات، واتّخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب المولدات المخالفين".
لا تشريع يردع المخالفين
ويبين الكلابي، أن "أصحاب المولدات الذين ليس لديهم حصة وقودية، يمكنهم أن يزيدوا سعر الأمبير الواحد، ألف دينار فقط، ويكون تشغيلهم بالتناوب مع الكهرباء الوطنية"، مشدداً على أن "مسؤول الوحدة الإدارية، له صلاحية تقليل تسعير الأمبير فقط، بما يتلاءم ووضع مناطقهم من ناحية تجهيز الطاقة الكهربائية".
وشهد العراق دخول الكهرباء إليه لأول مرة عام 1917 حيث تم تركيب أول آلة كهربائية في مبنى "خان دالة"، في بغداد، لكنها تعرضت في فترات مختلفة إلى اهتزازات عنيفة، زعزعت استقرارها، فالحروب التي مرت على العراق، كان لها أثر بتدمير البنى التحتية لنظام الطاقة.
ويحتاج العراق، بحسب المختصين إلى أكثر من 35 ألف ميغا واط من أجل توفير الطاقة الكهربائية على مدى 24 ساعة يومياً، فيما يبلغ حجم الإنتاج في الوقت الحالي، أكثر من 21 ألف ميغا واط، مع وعود من الحكومة بزيادتها في السنوات المقبلة.
من جهته، كشف المعاون الفني لمحافظ بغداد حيدر والي عباس، أنَّ "المحافظة قد تعمل على رفع المولدة في حال تكرار مخالفة أصحابها"، داعياً إلى "ضرورة إعداد تشريع قانوني وقضائي لمنع الإفراج بكفالة عن المخالفين بعد أخذ تعهدات منهم لأنَّ مراكز الشرطة تفرج عنهم مقابل كفالة لعدم وجود تشريع قانوني".
ويتوافق هذا الكلام، مع ما ورد في حديث المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، الذي يؤكد، إن "من لا يلتزم بالتسعيرات، يعتبر مخالفاً للقرارات، ولم يرتكب جريمة موجودة في القانون، والجهات المختصة، هي بدورها تصدر قرارا يردع تلك المخالفات، كسحب المولدة أو إغلاقها".
ويبين أن "الشرطة المجتمعية، تتابع أصحاب المولدات في جولاتها، وتحذرهم من مغبة رفع الأسعار، وكذلك تثقفهم أيضاً".
20 ألف مولدة أهلية في بغداد
وتوجد في العاصمة بغداد قرابة الـ 20 ألف مولدة أهلية، توفر الكهرباء للمواطنين، لكن مشكلة الأمبير بقيَّت قائمة منذ سنوات، ولا أحد استطاع أن يحلها، بحسب ما يرى رئيس لجنة الخدمات والإعمار النيابية، علي جاسم.
ويقول جاسم، إن "الضوابط من شأنها أن تحد من جشع أصحاب المولدات الأهلية، لكن بعضهم قد لا يتمثلون إليها، بل أن أغلبهم لا يخفّضون سعر الأمبير، حتى مع استقرار منظومة الطاقة الكهربائية، في بعض الأشهر"، مؤكداً أن "الذروة على الكهرباء تحصل من شهر حزيران ولغاية أيلول في كل عام".
ويشدد رئيس لجنة الخدمات، على أن "الحل الأمثل هو أن تذهب الدولة إلى التشجيع على استخدام الطاقة النظيفة، لإسهامها بمعالجة الكثير من المشكلات، وأبرزها التلوث البيئة"، مؤكداً أن "بغداد وحدها فيها قرابة الـ 20 ألف مولدة أهلية".
ويبقى العراق يعيش على أزمة الكهرباء، رغم وعود الحكومات المتعاقبة على إدارة البلد، بتحسين الطاقة، واستغلال الغاز المصاحب في توفير الطاقة الكهربائية، إلا أنها لا تجد من يترجمها على أرض الواقع.
ويحرق العراق ما يزيد على 17 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط سنويا، ليحتل المرتبة الثانية بعد روسيا، إلا أنه لا يستثمره في توفير الطاقة، ويستورد الغاز المصاحب من دول الجوار، أبرزها إيران، ويظهر ذلك جليَّاً، حينما تقلل الأخيرة إمدادات الغاز للعراق، لتبقى أغلب مناطقه من دون كهرباء.
ويرجع خبراء ومختصون، سبب عدم استثمار الغاز المصاحب في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية إلى دولة عميقة، تسعى إلى إبقاء العراق مستوردا للغاز، ليتكبد خسائر مالية بملايين الدولارات لمصالحهم الشخصية ومصالح الدول التي تدعمهم.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- أدخنة النفايات والمعامل تخنق سماء بغداد.. فأين الحلول؟
- أزمة الكهرباء.. الوزارة تطلب دعما ماليا ومجلس بغداد يتوعد باستجوابات