لا يعرف العراق تدرجا في المواسم، فبمجرد انتهاء فصل الشتاء تهجم درجات الحرارة في وقت مبكر بحيث لم يعد هناك فصل اسمه الربيع إلا في أيام معدودات، وكذلك الحال بالنسبة للخريف، فالصيف يستحوذ على معظم أيامه ولا يتبقى من الأجواء الخريفية سوى الرياح وتساقط أوراق الأشجار.
وبالإضافة إلى الطقس المتطرف وارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية وأكثر أحياناً، تأتي أزمة الكهرباء التي لم تجد لها حلّاً منذ 20 عاماً وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي خصصت لها، ويرافق ذلك قلة المسابح، وكل هذه الأسباب تدفع الأطفال والمراهقين والشباب نحو الأنهار الرئيسية والفرعية للفرار من الحر، لكن الأمر ينتهي بالغرق في أغلب الأحيان.
ويقول علي جمعة (32 عاما) من محافظة البصرة التي تشهد أعلى درجات الحرارة في البلاد، إن “محافظة البصرة تشهد ارتفاعا كبيرا في فصل الصيف الأمر الذي يدفع المواطنين إلى ابتكار حلول كثيرة دون الاعتماد على معالجات الحكومة المعدومة من أجل التخلص من حرارة الطقس”.
ويضيف جمعة، “بعض العوائل تلجأ إلى شط العرب للسباحة خلال ساعات النهار وقضاء وقت ممتع برفقة أطفالهم للتخلص من الحرارة، فيما اضطر البعض الآخر إلى إنشاء مسابح صغيرة داخل منازلهم حفاظا على أبنائهم من الغرق”.
ويشير إلى أن “مياه الأنهر والبحيرات تشهد بين الحين والآخر حالات غرق للأطفال والشباب نتيجة قوة التيار وعدم إتقان السباحة، ورغم وجود مسابح مغلقة وأخرى مفتوحة لأشعة الشمس، لكن الكثير لا يستطيعون دفع أجورها من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، لذلك يلجأون إلى الأنهر كونها مجانية ولا تحدد بساعات معينة”.
وفي موسم الصيف تسجل محافظات العراق العشرات من حوادث الغرق في الأنهر والبحيرات، في ظل هرب المواطنين من درجات الحرارة المرتفعة، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة عن المنازل، وتوفر عدد قليل من المسابح في بغداد والمحافظات وبالأخص الجنوبية منها.
من جانبه، يؤكد المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة حسام علي، أن “ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يدفعان الشباب باللجوء إلى الأنهر والبحيرات في بغداد والمحافظات للسباحة هربا من الحرارة”.
ويلفت إلى أن “العديد من المحافظات لا توجد فيها مراكز ترفيهية للشباب وإن وجدت تكون غير مؤهلة بشكل كامل ما يدفع الشباب إلى اللجوء للأنهر أو المسابح الأهلية التي في الغالب تكون باهظة الثمن على العديد من الشباب”.
ويؤكد أن “اتحاد السباحة العراقي يعلن بين فترة وأخرى عن فتح باب التسجيل للمشاركة في دورات لتعليم السباحة، كما أن المسابح الحكومية في مجمع بسماية والشعب وغيرها مفتوحة أمام المواطنين التي هي بإشراف وزارة الشباب والرياضة، فالوزارة حريصة على توفير أماكن ترفيهية للشباب للحفاظ على حياتهم من مخاطر الأنهر لكن المنتديات ومديريات وزارة الشباب والرياضة أصبحت تحت سلطة المحافظات نفسها ولا سلطة للوزارة عليها”.
ويكمل علي “نتمنى عودة المديريات إلى رعاية الوزارة حتى تكون تحت إشرافها بصورة مباشرة والعمل على إعمارها، وهنالك حاليا مشاريع مسابح في محافظتي كربلاء وصلاح الدين أحيلت إلى الاستثمار وجاري العمل لإنجازها”.
وكان آخر حادث غرق سجلته محافظة في ذي قار يوم الخميس الماضي، حيث انتشلت قوة أمنية جثتين من نهر الغراف بقضاء الإصلاح شرق مدينة الناصرية مركز المحافظة، حيث كانا يتعلمان السباحة في النهر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، كما تم انتشال فتى يبلغ من العمر 14 عاما من نهر الغراف أيضا، وقدم ذووه شكوى ضد أصدقائه الذين كانوا بصحبته، وتم اعتقالهم وفق أحكام المادة 411 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
بدوره يوضح مدير مديرية الشباب والرياضة في محافظة النجف كاظم كامل، أنه “في كل فصل الصيف تحصل العديد من الحوادث المؤسفة بسبب لجوء الشباب إلى الأنهر في المحافظات للهروب من ارتفاع درجات الحرارة”.
ويتابع “الوزارة قادرة على بناء وتأهيل العديد من المسابح التي ما زالت مهملة وغير ذات منفعة وهي خارج الخدمة كونها مسابح مفتوحة أمام أشعة الشمس وغير مغلقة”.
ويرى أن “أغلب المحافظات بحاجة ماسة إلى منشأت رياضية تستطيع استيعاب الشباب لمزاولة هواياتهم لذلك يجب أن تتعاون البلدية أيضا في توفير الأراضي للوزارة من أجل تأمين بنى تحتية ومنها المسابح لغرض السيطرة على حالات الغرق في الأنهر”.
ويردف كامل، أن “الخطط المقدمة للوزارة هي خطط إعادة تأهيل وترميم للمنشآت الرياضية، والكلف المالية لهذه المشاريع موجودة وتستطيع فقط تحريك العمل وإعطائه أهمية من خلال إزالة العوائق الفنية والإدارية”.
ويوم الأربعاء الماضي، أعلنت الحكومات المحلية في محافظات بغداد، والبصرة، وميسان، وديالى، والمثنى، وذي قار، وواسط، ونينوى، وبابل، والنجف، والديوانية، عن تعطيل الدوام الرسمي ليوم الخميس بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية.
وسبق وأن أكدت وزارة الداخلية، أنها تولي اهتماما بالغا لموضوع حوادث الغرق بعد تسجيل عشرات منها هذه السنة، موضحة أنها كلّفت الشرطة النهرية بمنع الأشخاص من السباحة في الأنهر، فيما تتولى الشرطة المجتمعية توعية المواطنين الذين يرغبون في السباحة، من خلال وضع إشارات تحدد الأماكن الخطرة للسباحة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- الكربلائي اول متبرع لمرضى السرطان.. خطط العتبة الحسينية الاستراتيجية انشاء (25) مستشفى في عموم العراق
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟
- المالكي يدفع باتجاه انتخابات مبكرة في العراق