- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
بقلم: القاضي أريج خليل
بعد تفاقم مشكلة المخدرات في العراق واتساعها خلال السنوات الأخيرة، لجأت الحكومة إلى إقامة مصحات علاجية لمدمني ومتعاطي المخدرات في عدد من المحافظات لمعالجتهم في خطوة الهدف منها اعتماد معالجتهم بعد القبض عليهم بدلا من زجهم في السجون، وقد باشرت وزارة الصحة ووفقا للمادة ٤٨ من القانون رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧ قانون المخدرات والمؤثرات العقلية بإنشاء مصحات علاجية وبمساندة من وزارة الداخلية والجهات ذات العلاقة تأكيدا منها على النظر إلى المدمن باعتباره مريضا وليس مجرما وقد أيد مجلس القضاء الموقر الخطوات المهمة في مكافحة المخدرات وفي علاج مدمني المخدرات وإنشاء المصحات العلاجية وبمختلف الطرق عن طريق المشاركة في خطة مكافحة المخدرات وتمثيل المجلس في كافة المؤتمرات التي أقيمت لهذا الغرض وأخيرا مبادرة رئيس مجلس القضاء الأعلى المحترم بالتبرع بالعقارات العائدة للمجلس والفائضة لغرض إنشاء مصحات علاجية وهي خطوة اكبر من أن تكون مجرد تأييدا للجهود المبذولة في علاج مدمني المخدرات وإنما هي خطوة مهمة في القضاء على الظاهرة ككل.
إلا أن مرحلة التعافي هي ليست المرحلة الأخيرة في علاج الإدمان وإنما تبقى هناك مرحلة التأهيل التي تعتبر مرحلة شديدة الأهمية لأنها تهدف إلى استعادة استيعاب المتعافين من الإدمان في المجتمع والتعامل معهم مجددا ومشاركتهم في الدمج الوظيفي وتهيئة المجتمع المحيط بهم لتقبلهم كأفراد منتجين ومتكاملين ومتفاعلين مع سائر أفراد المجتمع دون التعرض لوصمة الادمان وتبعاته من سلوكيات سلبية.
وتتم إعادة التأهيل من خلال إعادة بناء شخصية المتعافي وتحديد أسلوب جديد لحياته وذلك من خلال التزامه بالتوقف التام عن التعاطي والالتزام بمجموعة صارمة من القواعد المنظمة لسلوكياته وتغيير قناعته التي تبرر التعاطي وتهيئته لمرحلة الدمج المجتمعي والهدف من ذلك هو الحيلولة دون انتكاس المدمن، وكل ذلك يتم عن طريق إنشاء (المجتمعات العلاجية) وهي مجتمعات مصغرة للحياة الاجتماعية يتلقى فيها المتعافي من الإدمان التدريب لاستعادة الدور الذي يقوم به باعتباره فردا سويا في المجتمع عن طريق إعادة تأهيله تأهيلا تاما وإكسابه مجموعة من المهارات والعادات الجديدة ويتلقى فيها المتعافي من الادمان برامج إعادة تأهيل تختلف من شخص لآخر حسب رأي الطبيب وحالة المدمن النفسية وهي برامج لرفع مستوى المهارات المهنية ورفع مستوى الطموح لديه وتقدير الذات وإشغاله في مهنة نافعة ومفيدة وتوعية أسرة المدمن على سبل المعالجة والمراقبة التي يحتاجها المدمن في مرحلة التعافي ومحاولة دمج المدمن في مجالات العمل التطوعي وتعتبر الأسرة أهم وسيلة لعلاج المدمن ومساعدته للاندماج في المجتمع مجددا.
كما أن للمدارس دورا كبيرا في معالجة وإعادة تأهيل التلاميذ المدمنين ومحاولة استيعابهم كأفراد متعافين في المجتمع المدرسي والتأكيد على إشراكهم في الأنشطة المدرسية ولا ننسى دور المؤسسات الدينية في التوعية ودور أجهزة الدولة كافة وخاصة الوزارات والجهات ذات العلاقة في وضع خطة مدروسة لمساعدة المتعافين وإعادة تأهيلهم كافراد صالحين في المجتمع حيث أن التأهيل اللاحق يجب أن يكون ايضا بموجب خطة حكومية وان القانون النافذ رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧ لم يتضمن وسائل محددة في إجراء التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات بل الزمت المادة ٤٨ منه وزارة الصحة بإنشاء وتطوير وحدات علاجية لمعالجة مدمني المواد المخدرة وتوفير عيادات نفسية واجتماعية وتأهيل وتدريب الملاكات الطبية لمعالجتهم من أجل استعادة لياقتهم الصحية الكاملة بدنيا وعقليا واجتماعيا وبذلك تكون المادة القانونية أشارت بوضوح إلى ضرورة التأهيل اللاحق الا ان المشرع لم يذكر الآليات المعتمدة في ذلك وحيث أن خطة التأهيل تحتاج إلى موازنة خاصة لذا نأمل من كافة جهات انفاذ القانون بالسعي من أجل انشاء صندوق لعلاج وتأهيل مرضى الادمان كما هو الحال في السعودية ومصر وذلك من أجل أن تكون هناك موازنات خاصة وكافية لتأهيل مدمني المخدرات وكل ذلك يصب في مصلحة البلد وفي السعي للحيلولة دون تفاقم هذه الآفة ومحاولة السيطرة على نتائجها مستقبلا.
أقرأ ايضاً
- المخدرات الرقمية وتأثيرها على المجتمع
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات