تشهد العاصمة بغداد أزمة كبيرة بعد الانقطاعات المستمرة بالتيار الكهربائي، ولفترات طويلة نسبيا، في وقت تتصاعد حدة الخلافات بين مجلس المحافظة والوزارة حول سوء إدارة الملف خلال فترة الصيف الحالي، بالرغم من الوعود الكبيرة في موسم تجهيز مقنع.
وأصدرت وزارة الكهرباء خلال الأسابيع الماضية، أوامر بإعفاء مديري التوزيع في قواطعها بمناطق الشعلة والعامل وشرق القناة، فضلا عن مسؤولين بأقسام الصيانة في مناطق مختلفة نتيجة عدم إصلاح الأعطال وزيادة الشكاوى بشكل ملحوظ.
وتشهد منظومة الطاقة في العراق بشكل عام انقطاعات عامة وكبيرة بين فترة وأخرى خاصة مع دخول فصل الصيف نتيجة زيادة الأحمال، وفقا للوزارة أو بفعل حرائق وأعطال مفاجئة في بعض محطات التوليد الكبرى، فيما يأمل المواطنون بحل تلك الاختناقات عبر الحلول المعلنة وفق الاتجاهات الحكومية نحو الربط مع دول الجوار مثل الأردن وتركيا وبلدان الخليج.
وحول ما يجري في بغداد، تقول رئيسة لجنة الكهرباء في مجلس المحافظة، نورا الجحيشي، إن “وزير الكهرباء ووزارته لم يلتزموا بالوعود التي قدموها للمواطنين بساعات تجهيز مريحة وكافية خلال فصل الصيف، هذا الملف أصبح بحاجة إلى تدخل مباشر وإدارة حازمة من قبل رئيس الوزراء شخصيا لأن الهيكل في الوزارة اتضح عدم قدرته على تنفيذ وإنجاز شيء خاصة في بغداد”.
وتضيف الجحيشي “حديث الوزارة في كل أزمة عن ضرورة وقوف جميع الجهات معها من أجل إنجاح ملف الكهرباء غير واقعي لأن الدعم متوفر لها من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة وحتى المواطنين الذين صبروا على رداءة التجهيز طوال سنوات”.
وتعتبر الجحيشي أن “الإشكال الذي تضعه الوزارة بمجلس المحافظة وعدم تعاونه يجب أن يسبقه تنسيق من قبلها ولا يتم مطالبة المجلس بالتعاون دون وجود تنسيق عالي المستوى”.
وتؤكد أن “مطالبات مجلس المحافظة المستمرة لوزارة الكهرباء بضرورة التعاون ليست استهدافا لشخوصها وملاكاتها بل هي حقوق لمواطنين يسكنون العاصمة يصل عددهم إلى نحو 10 ملايين نسمة، والمجلس واجبه تشريعي ورقابي ولذلك لا يمكن اعتبار رقابته ومطالبته بحقوق الناس استهدافا للوزارة في كل أزمة وتقصير”.
وتلفت إلى أن “مشكلة الكهرباء لم تتمكن الوزارة والحكومات من حلها خلال العشرين سنة الماضية ولا يمكن حلها خلال هذا الصيف أيضا أو خلال سنة واحدة رغم صرف أموال كبيرة وتقديم جهود، الوزارة تتهم المجلس بعدم دعم مشاريعها بنسبة 30 بالمئة من تخصيصات الموازنة، ولكن لا أحد يعلم أن المجلس عندما تسلم مهامه قد وصلته الموازنة بقيمة 400 مليار دينار من أصل تريليون وأكثر بقليل نتيجة المصروفات على مشاريع البنى التحتية، والمبلغ المتبقي قد ذهب منه 200 مليار دينار بقرار حكومي لمشاريع شرق القناة”.
وتشدد رئيسة لجنة الكهرباء في مجلس محافظة بغداد، على أن “الـ200 مليار دينار المتبقية من موازنة محافظة بغداد اتخذنا قرارا بضرورة تقديم جزء منها إلى مشاريع وزارة الكهرباء بمعزل عن الصحة والبنى التحتية وغيرها، فتم تشكيل لجنة لوضع موازنة على أساس هذا المبلغ وأخرجت نسبة 10 بالمئة منه إلى وزارة الكهرباء بتصويت أعضاء المجلس وستصل قريبا للوزارة وفق السياقات”.
وتختم الجحيشي حديثها “مجلس محافظة بغداد سيقوم بعقد جلسات استجواب للمديرين العامين لدوائر الكهرباء في بغداد وبحالة عدم القناعة بالإجابات سيتم رفع تقارير وتوصيات لرئيس الوزراء من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”.
وخرج المئات من المتظاهرين الغاضبين في منطقة الزعفرانية جنوب شرقي العاصمة العراقية بغداد، خلال الأيام الماضية، احتجاجا على غياب الكهرباء الوطنية والنقص الكبير بساعات التجهيز، تزامنا مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، والتي وصلت في أيام عديدة منها إلى نصف درجة الغليان.
يشار إلى أن مجلس محافظة بغداد وعبر لجنة الكهرباء دائما ما يتهم وزارة الكهرباء بوجود فشل كبير وزيادة بمعدلات الفساد عبر التعاقد على شراء محولات رخيصة الثمن ورديئة الجودة، فيما تؤكد أن ساعات التجهيز يتم يمنحها وفقا لأهواء المسؤولين بمناطق معينة ما يستدعي تدخلا من مستويات حكومية عليا لإيقاف هذه الإدارة الخاطئة.
بالمقابل، تواصل الحكومة البحث عن حلول لإنهاء أزمة الانقطاع الدائم للكهرباء في مختلف المحافظات، ورفع ساعات تجهيز الطاقة بهدف التحرر من قيود المولدات الخاصة التي تجهزها بكميات من الوقود وفرض لأسعار الاشتراكات الشهرية، حيث قدمت مبلغ 300 مليار دينار مؤخرا في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 2 تموز الجاري لمشروعات اختناقات الخطة الطارئة وشراء المحولات والآليات.
وفي السياق، يرد المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى، على اتهامات مجلس محافظة بغداد بتقصير الوزير والمديرين في إدارة الملف خلال موسم الصيف وعدم الاستعداد له مسبقا، قائلا إن “المجلس عليه الإيفاء أولا بما ألزمه به قانون الموازنة بتخصيص 30 بالمئة من تخصيصاتها لدعم مشاريع تنمية الأقاليم لوزارة الكهرباء ومشاريعها في كهربة المناطق الطرفية في العاصمة ولكن لم يتم الالتزام به”.
وينبه موسى، إلى أن “مجالس المحافظات وبينها مجلس بغداد تنصلوا عن النزول للمناطق العشوائية وترسيمها لوضع الشكل الأساس وضمها للخطة الرسمية لتجهيز الكهرباء رغم أن ذلك واجب الحكومات المحلية”.
ويشير إلى أن “المشكلة في بغداد أساسها هي مشاكل التوزيع التي يعتبر مجلس المحافظة جزءا منها لعدم دعمه مشاريع الوزارة على اقل تقدير بتوفير المحولات وهي ذات المشكلة في محافظات أخرى”.
ويوضح أن “وزارة الكهرباء لديها مشاكل في الإنتاج هذا العام، وهي قد وعدت بموسم تجهيز ممتاز هذا الصيف بناء على معطيات العام السابق الذي بلغ إنتاجه 24 ألف ميغاواط وزاد على ذلك هذا العام ثلاثة آلاف و445 ميغاواط ليصل حجم الإنتاج إلى 27 ألف ميغاواط”.
ويتابع المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أن “الوزارة وعدت والتزمت بوجود 27 ألف ميغاواط كما يعلم الجميع، لكنها اكتشفت وجود 19 ألف ميغاواط زائدة في الطلب خلال سنة واحدة خارج حسابات الخطة المعتمدة بالإنتاج والطلب منذ العام الماضي”.
ويردف “ذلك جعل النقص في الإنتاج يرتفع من 13 ألف ميغاواط إلى 19 ألف ميغاواط، وبالتالي الحاجة الفعلية المطلوبة كليا كانت 40 ألف ميغاواط وارتفعت إلى 46 ألف ميغاواط بينما المتوفر هو 27 ألف ميغاواط فقط وهو ما أحدث خللا في المنظومة”.
ويشرح العبادي أن “الخلل الذي حصل بالزيادة الكبيرة قد تم طرحه على رئيس الوزراء حيث وجه بوضع دراسة وتم تقديمها فعليا بالتشارك مع وزارة التخطيط وهيئة الاستثمار وجهاز التقييس والسيطرة النوعية، ووزارة الكهرباء قدمت كل الإمكانيات للمحافظات بملء المخازن بالمحولات والكابلات ومعدات الصيانة وكل الاحتياجات قبل بدء موسم الصيف وعندما حصل أزمة الاختناقات ولم يقم المديرين العامين باتخاذ الإجراءات المناسبة قد تم اصدار أوامر الإعفاءات بحقهم وظهرت لوسائل الإعلام من مبدأ الشفافية بالعمل”.
ويرى أن “وزارة الكهرباء ليس لديها تقصير في الإنتاج والنقل وعملها تم وفق الخطة المرسومة والمعلومة لدى جميع الجهات وحتى بدون أعطال في محطاتها التوليدية، وعملت بالطاقة التوليدية كلها ولكن ما حصل من اكتشاف بزيادة الأحمال فاق طاقة الإنتاج وهو ما تسبب في المشاكل في بغداد والمحافظات”.
ويبرر العبادي، أن “ما تحتاجه الوزارة هو عامل الوقت الذي ستعمل عليه الخطة الإستراتيجية بفترة ثلاث سنوات لإكمال مشاريع فك الاختناقات حيث سيتم في كل سنة إكمال جزء وصولا إلى السنة الثالثة، والخطة تتضمن إضافة 15 ألف ميغاواط بواسطة محطات حرارية جديدة وأربعة آلاف ميغاواط من محطات مركبة خلال سنتين وأربعة آلاف و250 ميغاواط من المحطات الشمسية بفترة سنتين إلى ثلاث سنوات، إضافة لمشاريع الربط الكهربائي ستعطي 2250 ميغاواط خلال سنتين”.
أما عن الخطة الطارئة المعمول بها الآن، يقول العبادي إن “الوزارة وعبر دوائرها تقوم بتدعيم شبكات التوزيع كي يشعر المواطنين باستقرار الطاقة وعدم تدهورها وانقطاعاتها المستمرة التي تمثل المعاناة الأساسية لدى الناس”.
ويمثل ملف الطاقة الكهربائية أحد أبرز المشكلات الخدمية التي يعاني منها العراقيون منذ العام 2003، رغم إنفاق الحكومات المتعاقبة أكثر من 40 مليار دولار على القطاع في السنوات الماضية، بينما تشهد البلاد انقطاعات طويلة في التيار لاسيما خلال فصلي الصيف والشتاء، لذا يعتمد السكان بشكل كبير على شراء كميات محدودة من الطاقة الكهربائية من أصحاب المولدات الأهلية المنتشرة في المناطق السكنية في البلاد مقابل مبالغ شهرية تحددها الحكومات المحلية.
من جهته، يكشف عضو لجنة الكهرباء والطاقة في مجلس النواب، كامل عنيد، عن “جهود نيابية وجمع تواقيع لاستضافة وزير الكهرباء حول الفشل المتواصل في إدارة ملف الكهرباء والأعطال المستمرة في المنظومات”.
ويبين عنيد، أن “الوزير هو المسؤول الأول عن الملف ويجب معرفة جميع المشاكل المشخصة خاصة بعد حل أزمة توريد الغاز والاتجاه نحو الاستيراد بشكل أكبر لحين اكتمال مشاريع استثمار الغاز في العراق من قبل الشركات المنفذة”.
ويؤكد، أن “الحكومة قد تعهدت في برنامجها الوزاري بحل أزمة الكهرباء عبر دراسات عدة وتشخيص دقيق للمشاكل وعليها الالتزام بتنفيذ ذلك، ولجنة الكهرباء والطاقة النيابية على تواصل مستمرة مع الوزارة والحكومة لمراقبة الأداء في عمل المحطات والقطاعات بمختلف المحافظات، إضافة للمشاريع الاستثمارية الكبيرة التي يجري العمل فيها”.
ويشدد على أن “لا تهاون سيحصل مع المديرين العامين الذين يثبت فشلهم وتقاعسهم في أداء عملهم تجاه قواطعهم، وإقالة المديرين إجراء ضروري كي لا تتكرر الإخفاقات المتعمدة بين فترة وأخرى خاصة في فصل الصيف الذي يجب أن لا تقبل فيه الاعذار”.
وفي ذات الجانب، يشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية، إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميغاواط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها، كما تشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة لتأمين احتياجاته، عدا الصناعية منها، فيما وقت يحتل فيه المرتبة الخامسة عربيا والـ50 عالميا من أصل 211 دولة مدرجة في الجدول كأكبر مستهلكي للكهرباء في العالم حسب مجلة CEO WORLD الأمريكية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- عشرات الدعاوى القضائية ضد "شبكة التنصت" في بغداد
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)