- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حول خفض قيمة الدينار .. عندما يجهل المسؤول طبيعة عمله
بقلم: د. صلاح حزام
بعد الكارثة الاقتصادية التي تسبب بها قرار خفض قيمة الدينار العراقي بنسبة تقترب من ٢٢٪ والذي جاء صادماً ومفاجئاً وكبيراً جداً، خرج السيد محافظ البنك المركزي بتصريح نشرته هذا اليوم جريدة الصباح، يقول فيه ان خفض قيمة الدينار جاء بناء على طلب من وزارة المالية.
ولا اعرف إن كان هذا التصريح الغريب يدل على محاولة للبراءة من القرار وتبعاته، ام انه يدل على ان السيد المحافظ لايعرف بالضبط دور ووظيفة البنك المركزي وكيف يتخذ قراراته ومدى استقلاليته ؟؟؟؟
واضح ان وزارة المالية لديها الرغبة في زيادة ايراداتها بالدينار العراقي بدون ان تتسبب في زعل وغضب بعض الجهات المتنفذة التي تسيطر على المنافذ الحدودية والضرائب مثلاً، كذلك لاتستطيع ان تتحمل غضب اصحاب الرواتب العالية، إذا لجأت الى خفض حقيقي لتلك الرواتب والمزايا الخرافية.
وهكذا وجد الوزير الذي يقال انه من "عباقرة العالم"، أن اسهل طريق لتحقيق زيادة الايرادات هو ان يتم على حساب الفئات الضعيفة التي لاحول لها ولا قوة سوى ان تتضور من الجوع وتشتم الحكومة (شتم الحكومة من مظاهر الحرية والديمقراطية المفرطة التي يتمتع بها الشعب العراقي).
لم يكترث هؤلاء السادة الاذكياء، او ربما لايعرفون اصلاً، نتائج هذا القرار الصادم وبهذه النسبة المرتفعة على الاقتصاد الوطني (او ماتبقى منه) لاسيما أثره على العلاقات التعاقدية بين مختلف الاطراف لاسيما علاقة الدائن/ المدين وعلاقة المقاولين مع اصحاب العمل وعلاقة تاجر الجملة بتاجر التجزئة.
والاهم من ذلك سمعة ومصداقية النظام الاقتصادي العراقي لاسيما بالنسبة للاستثمار الاجنبي (الذي خسر ٢٢٪ من قيمة استثماراته في العراق) نتيجة صدور هذا القرار غير الحكيم وغير المسؤول.
وهذا يتقاطع مع دعوات الحكومة العراقية لجذب الاستثمارات الاجنبية.
كيف يمكن ان يثق رجال الاعمال الاجانب بحكومة لاتتورع عن اتخاذ مايحلو لها من قرارات بغض النظر عن آثارها على باقي الاطراف ؟؟
أما فيما يتعلق بالآثار الانسانية الكارثية على الفقراء وهم كثيرون في هذا الزمن، فأنه من المعروف على مستوى التجربة الانسانية تاريخياً، ان المنتجين والمستوردين يميلون عادةً الى رفع اسعار منتجاتهم باعلى من نسبة الخفض في قيمة العملة الوطنية وذلك من باب التحوّط او اتخاذها كغطاء لتحقيق ارباح فاحشة في ظل الفوضى السعرية التي تنجم عن خفض قيمة العملة.
ذلك سيكون كابوساً حقيقياً لاصحاب الدخول المنخفضة والذين لايستطيعون نقل العبء الى غيرهم بسبب كونهم الحلقة النهائية والأضعف في المجتمع.
ختاماً اود التذكير بأن البنوك المركزية، او كما تسمى بالسلطة النقدية، هي سلطات مستقلة ولاتخضع لقرارات الحكومة بل هي تنظر الى مصلحة الاقتصاد الوطني ككل.
ومن يتابع اخبار العالم الاقتصادية، سوف يلاحظ ان الحكومات في الدول المتقدمة "تتمنى" على البنوك المركزية ان تتخذ بعض الاجراءات لاسيما فيما يتعلق بخفض او رفع سعر الفائدة او الضوابط التي تفرضها البنوك المركزية على البنوك التجارية فيما يتعلق بسياسات تلك البنوك، وان تلك الحكومات تشكو من ان البنوك المركزية لم تلتفت الى رغبة الحكومة. الرئيس الامريكي طالما تذمر من عدم التفات الاحتياطي الفيدرالي الى دعواته بخصوص السياسة النقدية.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً