- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العجز المالي وتنقيد الدين: الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١ انموذجاً
بقلم: د.مظهر محمد صالح
١- لم اجد مايشير ان العجز في الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١ سيتم تمويله بالكامل مالم تتوافر الادوات (الجراحية) للسياسة النقدية للبنك المركزي العراقي والتي تمثلها عمليات تنقيد الدين debt monetisation عبر خصم حوالات الخزينة لدى سلطة الاصدار النقدي (اي عمليات تنقيد الدين كما أسلفنا انفا) والتي اشير اليها صراحة في مشروع موازنة العام القادم .
وبخلاف ذلك قد يتحقق انخفاضاً في كفاءة الانفاق الحكومي في نهاية السنة المالية نفسها لعدم توافر التمويل ما يعني ان التخطيط المالي في ادارة العجز وتمويله لم يبلغ غاياته وهي عمليات شبه تقشفية تؤدي الى توازن شكلي بين الايرادات والمصروفات النقدية وعلى نحو غير مرغوب اولا يحقق اهداف الموازنة في مثالياتها الدنيا .
٢- يلحظ ان ثلثي العجز في مشروع الموازنة العامة ٢٠٢١ البالغ اجمالاً ٥٨ تريليون دينار ،يشير الى امكانية تمويله عن طريق اداة تنقيد الدين debt monetisation المقدر في هذه الجزئبة قرابة ٣٥ تريليون دينار عن طريق البنك المركزي العراقي، اذ تمت الاشارة الى ذلك صراحة في فقرة تمويل العجز في مشروع الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١ على ارغم من ان المادة ٢٦ من قانون البنك المركزي رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٤ تحمل عنوانا عريضا مفاده(حظر اقراض الحكومة).
وبغض النظر عن هذا وذاك، يلحظ ان الاقتراض لتمويل العجز عن طريق التوسع النقدي سيجعل الدين الداخلي الذي هو بحوزة البنك المركزي لوحده يرتفع من ٥٤ تريليون دينار حاليا ليقارب ٨٩-٩٠ تريليون دينار في نهاية العام ٢٠٢١ مع افتراض تواضع الاحتياطيات الاجنبية ما يعني ان تدهوراً ملموسا في قدرة البنك المركزي على التغطية.
بعبارة اخرى سيقود تعاظم الاصدار النقدي لتمويل الدين الداخلي العام الى تدهور تغطية الاحتياطيات الاجنبية للدينار العراقي من ١٠٠٪ او اكثر الى ٥٠٪ او اقل في غضون اشهر السنة القادمة .فضلا عن اتباع سياسة النقد الرخيص cheap money policy اذ ستسدد الديون بسعر صرف منخفض للدينار.
فبعد طرح الفائدة على حوالات الخزينة البالغة ٤٪ بالمتوسط فان التضخم المتوقع وعلى وفق سعر الصرف سيؤدي بالمدين (وزارة المالية) التسديد الى الدائن (سالب ١٨٪).
٣- قد يؤدي هذا الاتجاه التوسعي من خلال التمويل النقدي للعجز في سياسات النقد الرخيص وتنقيد الدين العام
الى تعقيد المشهد الاقتصادي واضطراب الاستقرار في الاقتصاد الكلي ويؤول الى نمط من انماط الركود التضخمي stagflation اي امتزاج التضخم مع البطالة في الاقتصاد.
فالتوسع بالاقتراض عن طريق خصم حوالات الخزينة او تنقيد الدين كما اسميناه هو منهج توسعي نقودي في تمويل الموازنة العامة وتعظيم الانفاق الرخيص فيها من مصادر غير منتجةُ وفي اقتصاد محدود بطاقاته الانتاجية الحقيقية ويسوده نشاط خدمي شديد الهشاشة لايؤدي سوى الى البطالة في قوة العمل وتضخم كبير وتدني مستويات المعيشة للطبقات الفقيرة والهشة.
اذ تحاكي سياسة خصم ادوات الدين الحكومية لدى سلطة الاصدار كوسياة لتنقيد الدين فكرة التيسير الكمي QE في الولايات المتحدة في زمن الركود.
ولكن الفرق سيبقى بين الاقتصادين شديد الوضوح، ففي اقتصاد الولايات المتحدة يؤدي التوسع النقدي بالغالب الى تشغيل دوال الانتاج والقطاعات الحقيقية العاطلة عن العمل من خلال توليد طلب او انفاق فعال وعلى وفق المنهج الكنزي في تشغيل مضاعف الدخل .
ولكن في بلد مثل العراق يولد المضاعف المذكور بالغالب ضغطاً استهلاكياً خطيرا يقود الى تفعيل دوال انتاج خارج البلاد من خلال تعاظم الاستيرادات ويشكل ضغطا على احتياطيات البلاد من العملة الاجنبية المتهالكة وينتهي بالنتيجة الى خفض القيمة الخارجية للعملة او سعر الصرف ومن ثم تدهور الدخل الحقيقي عبر موجات تضخمية انتقالية بسبب تاثر حركة الحساب الجاري لميزان المدفوعات صوب العجز بالتدريج.
٤-في ضوء ما تقدم ، نرى ان لا يكون التكييف النقدي monetary adjustment بديل عن تعويض هبوط الريع النفطي واحلال سياسة الاقتراض الحكومي عن طريق تنقيد الدين كشرط ضرورة necessary condition ومن ثم خفض سعر الصرف كشرط كفاية sufficient condition له الغلبة على التكيف المالي fiscal adjustment.
وهنا تتخذ ربعية الاقتصاد أشكال خطيرة من (الريع المنقلب ) او السالب سواء في خفض النفقات او تعظيم الايرادات غير النفطية ذلك بجعل التكيف النقدي واضطراب الاقتصاد النقدي بسياسات النقد الرخيص الكفة الراجحة لاستدامة نفقات المالية العامة في البلاد.
٥- واخيراً، فقد جاء مقترح التخفيض في سعر صرف الدينار العراقي في مشروع الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١ (كشرط كفاية) تقدم في السبق الزمني على تنقيذ الدين وتوسيع الكتلة النقدية (كشرط ضرورة ) ذلك من حيث تدرج المنطق الزمني وبخطوة استباقية تصع النتائج قبل الاسباب.
اي اذ تجاوز المعلول او النتيجة effect (سعر الصرف) من الناحية الزمنية بتخفيض يقدر بنحو ٢٢٪ في قيمة الدينار وسبق العلة او السبب cause (اي تمويل العجز بالاصدار النقدي).
٦-خلاصة الكلام ، نجد في مشروع موازنة العراق الاتحادية للعام ٢٠٢١ ان النتيجة في التكيف النقدي لتمويل العجز سبقت السبب.
فالتخفيض بسعر صرف الدينار سيوفر للموازنة ايرادات ريعية تقدر بين ٨-١٢ تريليون دينار يضاف الى ذلك اقتراض بالاصدار النقدي خمن هو الاخر في مشروع الموازنة بنحو ٣٥ تريليون دينار.
ما يعني ان البنك المركزي بادواته النقدية سيغطي ٨٢٪ من عجز الموازنة المخطط في العام ٢٠٢١ ضمن مايسمى بالتكيف النقدي monetary adjustment لقاء تكيف مالي fiscal adjustment لا يغطي سوى ١٨٪.
مايعني ان البنك المركزي وسياسته النقدية ستتحمل عبء العجز السنوي بارجحية عالية لم توفر التوازن بين دور السياستين النقدية والمالية وتقاسم الادوار بينهما.
أقرأ ايضاً
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- جرائم الإضرار بالطرق العامة
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي